الأحد، 29 يناير 2017

مستقبل التنمية البشرية المستدامة وحقوق الإنسان في العراق

المقدمة
يتباين اهتمام الإنسان بالمشاكل التي يواجهها وفقاً لمدى التأثيرات المترتبة عليها, ولقد تنامى مؤخراً اهتمام كافة المجتمعات البشرية بحقوق الإنسان حيث أصبح مدلول حقوق الإنسان لا يقتصر على المفهوم الضيق لحقوق الإنسان بحيث يقتصر على الحقوق المدنية والسياسية وإنما يتضمن مفهوماً شمولياً جديداً يهدف إلي إعمال حقوق الإنسان بشكل كامل, كالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية, والحق في التنمية بما في ذلك الحق في الحصول على مستوى كاف من العيش, والحق في التعليم والعمل. ومفهوم التنمية البشرية المستدامة تطور من البساطة من حيث التركيز على البعد الاقتصادي للتنمية, إلى الأبعاد السياسية والقانونية والمؤسساتية والبشرية والاجتماعية والبيئية للتنمية. وعليه فقد حظي هذا المفهوم الجديد باهتمام العلماء والدارسين في مختلف المجالات والحقول. وفي خضم ذلك تبنِّت الأمم المتحدة الكثير من البرامج التي تؤكد على المفهوم الشمولي لحقوق الإنسان والمفهوم الشمولي للتنمية البشرية المستدامة.
إن تحقيق السلم والأمن في أي مجتمع لا بد وأن يرتبط ارتباطا وثيقا بحقوق الإنسان، فحقوق الإنسان هي الضمان للمشاركة الفاعلة والمستديمة للمواطن في جميع مجالات الحياة، وحقوق الإنسان تقوم على ركيزتين أساسيتين هما الديمقراطية والتنمية البشرية، فالديمقراطية هي الركيزة التي ترتكز عليها الحقوق المدنية والسياسية، والتنمية البشرية هي الركيزة التي ترتكز عليها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فلا يمكن أن نتصور أن يكون هناك أمن وسلم في ظل انتهاك متكرر ومنظم لحقوق الإنسان, ففي ظل غياب السلم والاستقرار يتعذر الاستمرار في مجالات التنمية البشرية المستديمة, لذا فإن التنمية البشرية المستديمة وحقوق الإنسان أمور أساسية مترابطة يعزز بعضها بعضا.
ومن اجل الإحاطة الشمولية بالموضوع وتحديد أبعاد ومدركات البحث تم تقسيمه وفقا للاتي:
المبحث الأول: وقد تناولت في هذا المبحث عملية تحديد إطار نظري للمفاهيم كمفهوم التنمية البشرية المستدامة ومفهوم حقوق الإنسان من ثم العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية البشرية المستدامة.
أما المبحث الثاني: فقد تناولت فيه مشكلات التنمية البشرية المستدامة في العراق وهي كالآتي: (ارتفاع نسبة البطالة، انخفاض مستوى التعليم، ازدياد نسبة الفقر، تردي الوضع الصحي، تفشي الفساد في مفاصل الدولة). أما المبحث الثالث: فقد تناولت فيه معوقات التنمية البشرية المستدامة في العراق وقد قسمت المعوقات الى: ( ميراث الاحتلال، انحسار دور القطاع الحكومي في إدارة الاقتصاد، غياب إستراتيجية تنموية عراقية واضحة). أما المبحث الرابع  فقد تناولت فيه الرؤية المستقبلية للتنمية البشرية المستدامة وحقوق الإنسان في العراق وذلك من خلال عرض مشهدين مستقبليين وترجيح إمكانية تحقق احدهما على الأخر.

1- مفهوم التنمية البشرية المستدامة وحقوق الإنسان

1-2- مفهوم التنمية البشرية المستدامة:
يعد مفهوم التنمية البشرية المستدامة (Sustainable Human Development) من المفاهيم الحديثة التي تعاني من شحة في الكتابات التي تناولته، كما أن هنالك قصورا في بعض الكتابات التي تناولت المفهوم في تحديدها لرؤية واضحة وتوضيح أبعاده بصورة جلية. فقد ظهر مفهوم التنمية البشرية المستدامة كرد فعل على أزمة الدولة وأزمة السوق في قيادتها لعملية التنمية، إذ أن الدولة ظلت ولزمن طويل تعتبر هي القائد الرئيس لعملية التنمية، وذلك خلال انتهاج سياسات تهدف الى توفير الضمان الاجتماعي والقضاء على الفقر والبطالة وغيرها. وعلى الرغم من نجاح بعض الدول في قطع شوط كبير في عملية التنمية إلا أن الكثير من هذه الدول فشلت في  الاستمرار في تحقيق مستويات أعلى من النمو الاقتصادي أو القضاء على الفقر والبطالة أو توفير الرفاه الاجتماعي كالصحة والتعليم وغيرها. كذلك فان تدخل الدولة الكبير وقيادتها لعملية التنمية ودفعها الى  مصادرة الحريات والتجاوز على الديمقراطية[i]. وقد تزامن فشل اغلب البلدان النامية في تحقيق التنمية المنشودة مع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وظهور الأفكار التي تنادي بها العولمة المتمثلة بالأخذ بالتعددية السياسية وضمان حقوق الإنسان وتفعيل دور المجتمع المدني فضلا عن تأكيدها على أن تترك الدولة زمام الأمور في عملية التنمية الى قوى السوق الحرة[ii] وتبني التحررية الاقتصادية والانفتاح وإزالة الحواجز التجارية والمالية والإدارية، مؤكدة على أن العولمة ستحقق المكاسب للجميع وان هذه المكاسب تتأتى من خلال تحرير التجارة وحركة رؤوس الأموال وخصخصة القطاع العام والإصلاحات الاقتصادية لصندوق النقد والبنك الدوليين[iii] بما يقود الى تحقيق النمو وزيادة الإنتاجية والاستخدام الأمثل للتقنية وكذلك المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية المحدودة[iv]. ويقوم هذا المفهوم على إدراك أهمية التنمية وشمولها لجميع نواحي الحياة وعلى التكامل المنظور التنموي حول الإنسان في تنمية دائمة ومستمرة وعلى ضرورة صياغة استراتيجيات تنموية تبدأ بالإنسان وتنتهي به، ويركز المفهوم على تكوين قدرات الإنسان وبنائها ويركز أيضا أهمية مشاركة الإنسان الفاعلة في  عملية التنمية وعلى ضرورة استخدام هذه القدرات في أنشطة تضمن استمرارها والتوزيع العادل لثمارها وحفظا لحقوقه ولمصالحه في الحاضر، وحقوق ومصالح الأجيال القادمة.
ومما تقدم نجد أن المصطلح قد استخدم لأول مره استخداما اقتصاديا بحت، إلا انه مع مرور الوقت تطور ليعني المحافظة على البيئة والنمو الاقتصادي، ثم تطور ليشمل حياة الإنسان بمجملها باعتباره وسيله لتحقيق حاجات الإنسان الأساسية بكل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وأصبح موضوع التنمية المستدامة محط اهتمام دولي سواء من المنظمات الحكومية الرسمية أو غير الحكومية منذ بداية عقد التسعينات، إذ حصلت قفزة نوعية في الفكر التنموي من حيث معالجته للتنمية البشرية، إذ انتقل من مفهومه الاقتصادي الذي يعني تشكيل القدرات البشرية كافه بما يتلاءم والعملية الإنتاجية، وتطور ليركز على كيفية الانتفاع بالقدرات البشرية وتعززت المقولة القائلة إن الإنسان هو صانع التنمية وهو هدفها، ولم يكن التطور عند هذا الحد بل توسع ليشمل مفهوم تشكيل القدرات البشرية و مفهوم الانتفاع بها بشكل يضفي على التنمية البشرية الديمومة والدينامية[v]. وقد عرفت التنمية البشرية المستدامة على أنها( عملية التنمية التي تلبي أماني وحاجات الحاضر دون تعريض قدرة أجيال المستقبل على تلبية حاجاتهم للخطر)، كما عرفها المبدأ الثالث الذي تقرر في مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد في مؤتمر ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992 على أنها ( ضرورة انجاز الحق في التنمية بحيث تتحقق وعلى نحو متساو على الحاجات التنموية والبيئية لأجيال الحاضر والمستقبل)[vi]. أما تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP)  فقد عرف التنمية البشرية على أنها ( تنمية الناس من اجل الناس بواسطة الناس)، وتنمية الناس تعني الاستثمار في قدرات البشر سواء في التعليم أو الصحة أو المهارات حتى يمكنهم العمل على نحو منتج وخلاق، والتنمية من اجل الناس معناها كفالة توزيع ثمار النمو الاقتصادي الذي يحققوه توزيعا واسع النطاق وعادلا، والتنمية بواسطة الناس معناها إعطاء كل امرئ فرصة المشاركة فيها[vii]، أي أن عالم التنمية البشرية يمتد الى ما هو ابعد مما تقدم كحالات الاختيار الأخرى التي يعطي لها الناس قيمه فائقة والتي تتضمن المشاركة والأمن والقابلية للاستدامة وحقوق الإنسان المضمونة، وهي أمور لازمة لكي يكون الإنسان خلاقا ومنتجا ولكي يتمتع باحترام الذات وبالتمكين وبالإحساس بالانتماء الى المجتمع[viii].
وتجدر الإشارة الى أن التنمية البشرية المستدامة ترتبط ارتباطا مباشرا مع الديمقراطية من خلال تأكيدها سيادة القانون والضمانات الدستورية والمساواة وتكافؤ الفرص، وحرية التعبير والقيود القانونية والاجتماعية المفروضة على وسائل الإعلام، فضلا عن تأكيدها المشاركة السياسية التي تضمن حرية تكوين منظمات المجتمع المدني والتعددية الحزبية وحق المعارضة، والانتخابات ومراقبة عمل الحكومة[ix].
وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول إن التنمية البشرية المستدامة تؤكد على الاستثمار في البشر لخلق كادر بشري مؤهل يستطيع أن يتعايش مع تحديات العصر، وان ذلك يتم من خلال زيادة فرصهم في التعليم والرعاية الصحية والدخل والتشغيل وغير ذلك، فالتنمية المستدامة تتعلق بقدرة الإنسان على العيش طويلا والوقاية من الاصابه بالأمراض والتعلم والتحرر من الاميه والجوع ونقص الأغذية والتمتع بالحريات المدنية والسياسية، أي أن التنمية البشرية المستدامة تؤكد حالتين هما: الأولى: تشكيل القدرات البشرية في مجالات الصحة والتعليم والمعرفة ومستوى الرفاه. الثانية: تمكين البشر من استثمار قدراتهم سواء في أوقات الفراغ أو في الإنتاج أو للمساهمة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها[x].

1-3 مفهوم حقوق الإنسان:
منذ ولد الإنسان ولدت معه حقوقه، لكن الوعي بهذه الحقوق والاعتراف بها ومن ثم التمتع بها اتخذت مسيرة طويلة في التاريخ البشري، وستبقى مسيرة حقوق الإنسان مستمرة طالما وجد الإنسان على هذه الأرض وسيزداد الوعي بحقوق الإنسان وسيتنامى الاهتمام بهذه الحقوق ونوعية هذه الحقوق مما يعني ولادة حقوق جديدة[xi]، إن الحديث عن حقوق الإنسان دائم بسبب تصاعد الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وأثرها السلبي في الاستقرار السياسي والاجتماعي والحضاري، فبوجودها يمكن أن تحفظ حياة الإنسان وتصان كرامته وتحترم آدميته وتفتح له الطرق للإبداع وتدفع به للتقدم الى الأمام، وبوجودها يمكن الحديث عن العدالة الاجتماعية التي هي الأساس الضامن لتلك الحقوق، ولاشك في أن حقوق الإنسان تعد أهم معايير الرقي والتقدم الاجتماعي[xii]. إن هذا الاهتمام المتزايد بمسائل حقوق الإنسان إنما مرده في الحقيقة الى تنامي الأفكار والقيم الداعية الى الحريات العامة والديمقراطية، أي توفير الضمانات اللازمة التي تكفل التمتع بقدر مناسب من الحقوق والحريات يعتبر ولاشك احد المداخل المهمة لتحقيق الغايات المرجوة من أي مشروع أو خطة للتنمية المجتمعية[xiii]. ولكن في الوقت نفسه نجد إن كثرت الحديث في السنوات الأخيرة عن حقوق الإنسان وكثرت المطالبة بالدفاع عنها وحمايتها لم تأتي من دواع إنسانية صرفه وإنما غدت هذه العبارة شعارا يرفع في جميع أنحاء العالم ومن جميع الجهات والتيارات ولكن لأغراض مختلفة وبمضامين متنوعة[xiv].
ومما تجدر الإشارة إليه هو عدم وجود تعريف محدد لحقوق الإنسان، بل هنالك العديد من التعاريف التي قد يختلف مفهومها من مجتمع الى آخر ومن ثقافة الى أخرى، إذ يراها الفرنسي ايف ماديو بأنها( دراسة الحقوق الشخصية المتعرف بها وطنيا ودوليا والتي في ظل  حضارة معينه تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى)[xv] ، في حين أن محمد عبد المتوكل يعطي تعريفا آخر فيعرفها بأنها( مجموعة الحقوق والمطالب الواجبة الوفاء لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز بينهم)[xvi] ، أما محمد المجذوب فيعرفها بأنها( مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى ولو انتهكت من قبل سلطة ما)[xvii].
ويمكننا القول أن حقوق الإنسان في جوهرها حقوق في حالة حركه وتطور وليست حقوق ساكنه،  وفي الوقت نفسه تتميز بالتنوع بينها وهذا التنوع يعد مصدر ثراء لها[xviii]، ونظرا لعددها الكبير وضعت معايير عديدة لأجل تصنيفها، فمنهم من يصنفها وفقا للقيم التي تجسدها بـ( حقوق متعلقة بشخصية الفرد وحقوق متعلقة بفكره وحقوق متعلقة بنشاطه)[xix]، وهناك من يصنفها الى حقوق (فرديه، جماعية، تضامنية)[xx]. إلا انه يمكن القول بان تصنيف حقوق الإنسان يختلف باختلاف المنظور إليها، فمن حيث الاهميه تقسم الى حقوق( أساسية وغير أساسيه) ومن حيث الأشخاص المستفيدين منها تصنف الى حقوق( فرديه وحقوق جماعية) ومن حيث موضوعها تصنف الى حقوق ( مدنيه وسياسية من جهة وحقوق اقتصاديه واجتماعيه وثقافيه من جهة أخرى) وهناك طائفة جديدة من الحقوق الحديثة والتي تسمى بحقوق التضامن، وجميع الفئات التي ذكرت تتسم بملازمتها للإنسان في كل زمان وفي كل مكان، وهذا نابع من الترابط الجدلي بين مختلف زمر حقوق الإنسان سواء أكانت حقوق مدنيه وسياسية أم اقتصاديه واجتماعيه وثقافيه أم حقوق تضامن[xxi]. وقد مرت حقوق الإنسان بمسيرة تاريخية زاخرة ابتداءا من الحضارات القديمة كحضارة وادي الرافدين والحضارة الإغريقية والرومانية وصولا الى الديانات والنظريات الفلسفية الوحدانية في مختلف مراحل التاريخ البشري كالديانة المسيحية والديانة اليهودية وآخرها الديانة الإسلامية التي بدورها أغنت وأثرت ورسخت الحقوق الإنسانية، أما في العصور الوسطى فان التحول الرئيس بدا مع ميثاق العهد الأعظم (الماجناكارتا) في انجلترا واستمر التطور وصولا الى العصور الحديثة بصدور وثيقة الاستقلال عام 1776 في الولايات المتحدة الأمريكية[xxii]، ويعد الاهتمام الدولي والإقليمي بحقوق الإنسان من المسائل الحديثة نسبيا، إذ انه حتى وقت قريب لم يكن القانون الدولي يهتم بغير العلاقات بين الدول، لكن بعد الويلات والمصائب التي شهدتها الإنسانية  في خضم الحرب العالمية الثانية من جرائم حرب وأباده وانتهاك مستمر  لحقوق الإنسان وحرياته أصبحت قضيه حقوق الإنسان قضيه في غاية الأهمية[xxiii]، وقد أنشئت الأمم المتحدة لتتولى معالجة القضايا الدولية وقد أولى ميثاقها أهميه خاصة لحقوق الإنسان فقد ورد ذكرها (6) مرات في الديباجة وضمن بيان مقاصد الأمم المتحدة، ومن جهود المنظمة ايضا إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 ومن ثم  إصدار مجموعه من الإعلانات التي تتعلق بحقوق الإنسان والتي وصلت الى (30) إعلان حتى نهاية القرن العشرين، فضلا عن المبادئ والقواعد والاتفاقيات والمعاهدات التي تصل الى (100)[xxiv].

1-4-علاقة حقوق الإنسان بالتنمية:
هناك علاقة شديدة الصلة بين التنمية وحقوق الإنسان، فلا يمكن ان تتصور امكانية استتباب الامن والسلم في ظل انتهاك متكرر ومنظم لحقوق الانسان والتباين الفادح في الدخل والثروة وارتفاع معدلات الفقر المدقع، في المقابل فان غياب الامن والسلم سيؤدي الى حدوث حالات من الضبابية والشك يتعذر معها الاستمرار سوى بقدر يسير من التنمية البشرية.
فقد جاء في إعلان الحق في التنمية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع من كانون الأول ديسمبر 1986م في المادة "1" الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان الغير قابل للتصرف، وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكنه فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما[xxv]. فالتنمية البشرية المستدامة ذات الطابع التشاركي تعيد السبيل للوصول الى الأمن، في المقابل فإن احترام حقوق الإنسان والنهوض بها وحمايتها يعتبر الضمان المباشر لتنمية بشرية مستدامة ذات طابع تشاركي وعادل وشفاف.
فإذا كان الإنسان محور عملية التنمية فان الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان وعليه ينبغي أن يكون الإنسان المشارك النشط في إعمال الحق في التنمية والمستفيد منها، وان التنمية يجب أن يكون هدفها إعمال حقوق الإنسان بشكل شامل ومتكامل, من هنا فان الهدف الأساسي لعملية التنمية هو الإنسان. والتنمية الصحيحة هي التي تعمل على إعمال حقوق الإنسان وتعزيز هذه الحقوق بما يخدم الإنسان من حيث كونه مركز العملية والهدف الذي تسعى إليه، ولعل عملية التنمية لا يمكن لها أن تعزز حقوق الإنسان وتفعلها إذا لم تأخذ بالحسبان أهمية الحق في مشاركة فاعلة ومستدامة لمختلف جوانب التنمية، وفي عملية صنع القرارات ذات العلاقة بجميع جوانب التنمية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية، إن عملية تنمية مستدامة ذات طابع تشاركي فعال تسهم في إيجاد تكافؤ في الفرص أو في الوصول الى الموارد والحصول عليها وتسخيرها لصالح الفرد والمجتمع وتوزيع عادل للثروة واحترام الحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ليست فقط حقا أساسيا من حقوق الإنسان بل احتياج إنساني أساسي لتعزيز حرية الإنسان واحترام آدميته وكرامته الإنسانية. والمشاركة في عملية التنمية لا يمكن أن تتم دون وجود نظام سياسي يقوم على دعائم الديمقراطية، وعليه فان الديمقراطية هي احد آليات التنمية البشرية المستدامة الصحيحة, والديمقراطية هي عملية سياسية تتيح للأفراد المشاركة بشكل فردي أو اجتماعي في عمليات صنع القرار[xxvi].
ومن خلال التجربة تبين أن عوامل النجاح في تحقيق أهداف التنمية لا تتوقف على عدد السكان وامتلاك الثروات والمساحة الجغرافية، بقدر ما تعتمد بالأساس على سلامة الرؤية التنموية واحترام حقوق الإنسان وصلاحية نظام الحكم السياسي. ويلاحظ أن الدول التي أخفقت في اعتماد معايير حقوق الإنسان والحفاظ عليها في المجتمع لم تنجح في تحقيق أهدافها بالوصول الى تنمية بشرية مستدامة بغض النظر عن فقرها أو غناها بالثروات أو نسبة عدد السكان أو مساحتها الجغرافية. في حين نجد أن الدول التي سعت الى إعمال حقوق الإنسان وتفعيلها وتعزيزها عبر مشاركة فاعلة للأفراد بشكل فردي أو جماعي ساهم في مواجهة تحديات التنمية وتمكنت من الوصول باقتصادياتها الى مستوى متقدم على طريق التنمية البشرية المستدامة، وهنا يمكننا القول بان حقوق الإنسان تزدهر وتنمو عندما تنجح هي والتنمية في تقليص الفجوة في امتلاك الثروة وخفض التباين بمستويات المعيشة ودرجات الفقر وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية بين الأفراد، والتنمية عملية لا تقتصر فقط على العلاقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الدولة، وإنما ايضا على العلاقة بين الدول بعضها ببعض، فالتنمية بعد دولي لا يمكن إغفاله أو تجاوزه، فهناك العديد من التحديات والمعوقات التي يمكن أن تعيق عملية التنمية أو تشوهها وتفرغها من محتواها[xxvii].

2- مشكلات التنمية البشرية المستدامة في العراق

2-1-  ارتفاع نسبة البطالة:
تعكس مؤشرات التشغيل والبطالة جانبا من المشاكل المعقدة التي يواجهها العراق، فقد كان العراق قبل الاحتلال يعاني من ظاهرة البطالة التي كانت تصل إلى نسب كبيرة جدا وعلى مستوى القطاع العام والخاص على حد سواء، أما بعد الاحتلال فقد ازدادت مؤشرات البطالة ازديادا ملحوظا وذلك نتيجة لقرارات الحاكم المدني للعراق آنذاك (بول برايمر) والقاضية بحل الكيانات الأمنية العراقية كالجيش والشرطة وبعض الوزارات ذات الصلة بالمؤسسات الأمنية مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة من 30% قبل الحرب إلى 60% في صيف عام 2003[xxviii]. ومما تجدر الإشارة إليه هو أن هنالك تقديرات مختلفة عن معدلات البطالة في العراق، فقد قدر الجهاز المركزي للإحصاء والتكنولوجيا والمعلومات (CCOSI) في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية معدل البطالة بنسبة 28% لعام 2004، أما سلطة الائتلاف المؤقتة فقد قدرتها بنسبة 30% خلال فترة تنفيذ مسح الأحوال المعيشية في العراق، في حين قدر احد المعاهد الدولية النسبة بـ(30-45%) خلال شهر نيسان 2004[xxix]. وفي عام 2006 قدر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر نسبة البطالة في العراق على مستوى القطاع العام والخاص بـ(75%)، وتشير تقديرات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية في احدث إحصائيات لها في عام 2006 وبداية 2007 إلى أن معدل البطالة في العراق قد وصل إلى 53%[xxx]. وكل هذه الأرقام والنسب التي ذكرت تشير إلى وجود مشكلة حقيقية وفي نفس الوقت هي في حالة تفاقم وازدياد، فضلا عن آثارها وانعكاساتها على مختلف نواحي الحياة مما يؤدي إلى ضرورة الوقوف عندها بجدية وإيجاد البدائل والحلول المناسبة للقضاء على هذه الظاهرة أو التخفيف من حدتها.

2-2- انخفاض مستوى التعليم:
إن النظام التعليمي يلعب دورا جوهريا في تكوين رأس المال البشري، وهذه الحقيقة تمثل أوجه العلاقة التي تربط التعليم بالاقتصاد والمجتمع، فالبشر لا يمكن أن يكتسب قدراته في فهم الرفاه والمشاركة الفعالة إلا بالتعليم الذي يقرر قدرات الإنسان الذي يساهم في التنمية[xxxi]، وعند سحب هذا الكلام على الواقع العراقي فانه يمكن القول أن العراق عانى من حالة الفوضى السياسية والاقتصادية وحروب وصراعات منذ بداية عقد السبعينات والثمانينات من القرن العشرين ولغاية الوقت الحاضر، وقد أدت هذه الأوضاع إلى تردي نظام التعليم فيه الذي كان يشهد له بأنه من أفضل الأنظمة في المنطقة كنتيجة لخطط التنمية والإصلاح التعليمي خلال عقدي السبعينات والثمانينات، ويمكننا تشخيص أهم التحديات والمعوقات والمشاكل التي تواجه الواقع التعليمي من خلال استعراض نتائج مسح الأحوال المعيشية في عام 2004 إذ يشير إلى تدني معدلات الالتحاق وتدهور نوعية التعليم من خلال ارتفاع معدلات الرسوب إذ أن 22% من سكان العراق لم يلتحقوا بالدراسة مطلقا، وهناك 15% آخرين لهم مستوى تعليمي اقل من ست سنوات. كما إن ثلثي سكان العراق البالغين 65% يمكنهم القراءة ألكتابه بدون صعوبة، كما يستطيع 10% آخرين من السكان قراءة وكتابة بعض المواد اليومية ولكن بصعوبة، كما أن هنالك فروق واضحة وتباين في مستويات التعليم بين المناطق الجغرافية المختلفة، فالأمية بين سكان الحضر اقل منها في الريف حيث قدرت بـ21% إلى 39% على التوالي، كما إن هنالك مؤشرات واضحة على بقاء الفجوة في التعليم بين النساء والرجال والأداء التعليمي السيئ للإناث لاسيما في بعض المحافظات، فقد بلغت نسبة الأمية بين الإناث 35% مقارنه بـ17% بين الذكور، وتكون الفجوة في مستوى التعليم بين الجنسين أكثر وضوحا في الريف مقارنه بما هي عليه في الحضر. أما التعليم الابتدائي الذي يعد انجازه التام بحلول عام 2015 واحد من أهداف التنمية الألفية فان واقعه يشير إلى أن من بين الأطفال بعمر المرحلة الابتدائية كان 79% منهم ملتحقون في المدارس الابتدائية، 83% منهم ذكور و75% منهم إناث، كما إن معدل الالتحاق الصافي في الدراسة ألمتوسطه بلغ 41% ،47% للذكور و36% للإناث[xxxii].

2-3- ازدياد نسبة الفقر:
إن الفقر ظاهره اجتماعية اقتصادية سياسية ذات أبعاد نفسية وإنسانية، ينمو في سباق تاريخي مجتمعي جغرافي ضمن زمن محلي وكوني في الوقت نفسه، وهو كغيره من المفاهيم الأساسية والظواهر الكبرى عصي على التعريف لكن من خلال التعاريف المتنوعة له يمكننا استخلاص القول بأنه ( حالة تعبر عن النقص في الاحتياجات الأساسية و الضرورية للإنسان، واهم هذه الاحتياجات الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والسكن وتوفير الاحتياطي المادي لمواجهة الأمور الطارئة أو الأزمات التي قد تتعرض لها الأسرة أو الفرد)[xxxiii].
ويمكن تحديد الفقر من خلال استخدام مقياس خط الفقر والذي يقصد به مقياس الدخل أو الاستهلاك والذي بموجبه يتم التمييز ما بين الفقراء من غير الفقراء ويصنف ضمن الذين تقل دخولهم على خط الفقر، والأشد فقرا هم الذين تصل دخولهم إلى اقل من نصف دخل خط الفقر[xxxiv]. وفي الوقت نفسه هنالك نوعان للفقر الأول: الفقر المطلق والذي يعتمد على الحاجات الأساسية التي يمكن التعبير عنها على شكل كميات معينه من أشياء معينه كالغذاء والملابس والسكن والماء والصرف الصحي مما يمثل الحد الأدنى الضروري لتامين السلامة الصحية وتجنب سوء التغذية وما شابه من أوجه القصور في الحياة، أما الثاني فهو الفقر المدقع والذي يساوي التكاليف الدنيا من السلع الغذائية الأساسية التي لا يمكن دونها البقاء على قيد الحياة إلا لمده قصيرة حيث لا يتمكن الناس من إعالة أنفسهم على الإطلاق أو حتى الحصول على الحد الأدنى المتفق عليه من دون مساعدة خارجية[xxxv].
وعند تطبيق ما تقدم على الواقع العراقي يمكننا القول إن نسبة الفقر المدقع تعكس تدهورا كبيرا في مستوى المعيشة في العراق، فقد كانت منخفضة جدا عام 1981 إذ بلغت 3,9% لعموم العراق وكان المستوى متقاربا بين المناطق الحضرية والريفية إذ كانت نسبة الفقر المدقع 3,6% و4,7% على التوالي، ثم تدهور المستوى المعيشي بشكل كبير خلال سنين فرض الحصار الاقتصادي على العراق، فقد ارتفعت نسبة الفقر المدقع إلى 21% وقد انعكس هذا التدهور على سكان الحضر والريف على حد سواء. وتبع ذلك تدهور كبير في مستوى الفقر المطلق إذ قدر بـ72% وهذا يعني أن ثلاثة أرباع سكان العراق كان يعاني من نقص أو عجز في تامين الاحتياجات الأساسية كالغذاء أو المسكن أو الملبس أو التعليم أو الصحة أو النقل[xxxvi]. أما المؤشرات المقدرة لمستوى الفقر في العراق لعام 2005 فقد جاءت متضاربة ومتباينة، فالجانب غير الرسمي من منظمات دولية ومنظمات المجتمع المدني والمراكز البحثية تشير إلى أن عدد من يعيشون تحت خط الفقر المدقع يفوق الـ(9) مليون إنسان وبنسبة مئوية تقدر بـ(31%) من إجمالي سكان العراق لعام 2005، فيما يرتفع عدد العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق إلى نحو (17) مليون إنسان وبنسبة (60%)[xxxvii]، وهو ما أكده رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق (موسى فرج) إذ أشار إلى أن نسبة الفقر في العراق قد تجاوزت الـ(60%) وان الهيئة قد وضعت بعض الآليات والاستراتيجيات للقضاء على هذه الظاهرة.
أما الجانب الرسمي والحكومي فيرى العكس، أي إن مؤشرات عام 2005 قد عكست تحسنا نسبيا في نسبتي الفقر المدقع والمطلق إذ انخفضت إلى 9% و40% على التوالي، أي أنها حققت تحسنا نسبته 50% تقريبا عما كانت عليه الحال خلال الحصار. أما خط الفقر المقدر للسنوات (1988، 1993، 2005)  فيعكس ارتفاع كبير في مستواه وهذا يعود أساسا إلى ارتفاع مستوى التضخم، ففي حين كان يشكل دخل الفرد الشهري البالغ (19) دينارا الحد الفاصل بين الفقراء وغير الفقراء عام 1988 فان مستوى (649) دينارا كان الحد الفاصل لعام 1993 وان (21631) دينارا هو الحد الفاصل حاليا بين الفقراء وغير الفقراء[xxxviii].
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو ظاهرة تعاظم وارتفاع أعداد الأسر التي ترزح تحت مظلة الفقر والتي تعولها الأرامل وزوجات الأسرى والمفقودين والشهداء مما حدا بالبعض إلى توصيف الفقر في العراق بصفة (تأنيث الفقر) خاصة إذا ما عرفنا أن 50,5% من سكان العراق هم إناث لسنة 1997 تحملوا ضغوط الحصار والفقر إذ أن هنالك إحصائية تؤكد إن 26% من النساء يقمن بإعالة 7افراد من الأسرة[xxxix]، هذا فضلا عن زيادة عدد الأرامل بسبب العمليات الإرهابية وعمليات القوات المتعددة الجنسية التي ترفع من هذه النسب يوميا.

2-4- تردي الوضع الصحي:
كان وضع المنظومة الصحة في العراق في فترة السبعينات والثمانينات جيدا للحد الذي كان يحسد عليه في المنطقة، إلا أن الحالة الصحية عموما قد تدهورت وأصبح الوضع مزر بعد فرض العقوبات الاقتصادية على العراق، إذ أن معدل عمر الإنسان قد انخفض وتعرض الكثير من الأطفال للهلاك بسبب نقص الرعاية الصحية وسوء التغذية[xl]. أما فيما يخص مسالة توفير المياه الصالحة للشرب فان نقص الأدوات اللازمة لإصلاح أو صيانة مشاريع تصفية مياه الشرب قد تأثرت بسبب الحصار فضلا عن عدم توفر مواد التصفية والتعقيم مما ساعد على ظهور بيئة ملائمة لانتشار الأوبئة والإمراض المختلفة بين السكان[xli]، وقد بين تقرير مسح الأحوال المعيشية في العراق لعام 2004 أن توفر الماء الصالح للشرب في الريف يقل كثيرا عما هو الحال في الحضر، إذ بلغت الأسر التي يتوفر لهل ماء صالح للشرب في الريف 43% مقارنه بنسبة 66% في الحضر، كما يلاحظ وفي إطار المقارنة بين المناطق الجغرافية أن توفر الماء الصالح للشرب في الجنوب يقل عن بقية المناطق فقد بلغت النسبة 42% في محافظة المثنى على سبيل المثال[xlii].
أما المستوى الغذائي فقد أشارت بعض التقارير قبل عام 1997 إلى أن أطفال العراق قد تأثروا بالتحول الذي أصاب الوضع الغذائي في العراق نحو سوء التغذية وان ربع مواليد أطفال العراق يولدون دون وزن 2،5 كغم بسبب سوء تغذية الأمهات الحوامل[xliii]، أما بعد عام 2004 فقد أشار تقرير وزارة التخطيط  إلى أن حالات سوء التغذية منتشرة بين الأطفال الصغار إذ أن 12% من الأطفال بعمر(6-9) اشهر يعانون من سوء التغذية العام ( انخفاض الوزن نسبة إلى العمر) وان 8% يعانون  من سوء التغذية الحاد ( انخفاض الوزن نسبة إلى الطول)، كما إن 23%منهم يعانون سوء التغذية المزمن( انخفاض الطول نسبة إلى العمر). ويلاحظ التقرير إن سوء التغذية الحاد أكثر انتشارا في جنوب العراق، في حين يتمركز سوء التغذية المزمن في وسط العراق، أما المنطقة الشمالية فهي الأفضل من حيث مقاييس التغذية، كما يشير التقرير إلى إن 17% من الأشخاص الذين يعانون من الأمراض الحادة أو من الإصابات يلجئون إلى المساعدة الخارجية، إلا أن عدم قدرة بعض الفئات السكانية على الدفع لأغراض الحصول على الخدمات الصحية يعد مشكله بالنسبة لتلك الفئات، وقد لوحظ أن أكثر من 30% من سكان الريف ومن ذوي الدخل المنخفض لا يستطيعون الاستفادة من الخدمات الصحية[xliv].
ولا يفوتنا الإشارة إلى ما خلفته العمليات الإرهابية بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي تفجر في المناطق السكنية والأسواق من ضحايا ومعوقين ومشوهين في مختلف مناطق العراق مما زاد من مئاسي هذا الشعب واسهم أيضا في إثقال كاهل الخدمات الصحية بحالات جديدة تضاف إلى الحالات المعتادة.

2-5- تفشي الفساد في مفاصل الدولة:
يعد الفساد من أكثر الآفات انتشارا في مفاصل الدولة بعد الاحتلال، ورغم إن هذه الحالة لم تكن وليدة الاحتلال فقط وإنما هي نتيجة لتراكمات سبقته من الناحية الزمنية، فالمعروف أن الفساد كان موجودا في العراق بصورة واضحة إلا انه ازداد وارتفعت وتيرته بشكل مهول بعد الاحتلال، ولم يقتصر على مستوى معين من مستويات ألدوله بل يشمل جميع المستويات، إذ إن العراق قد تراجع من مرتبة إلى الأدنى في ترتيب سلم الفساد العالمي في الأعوام من 2003 إلى 2006 وتراجعت مكانته من ألدوله ( 115 إلى 116 إلى 130 الى 141) على التوالي. وفي هذا الصدد يشير (بيتر ايكن) رئيس منظمة الشفافية الدولية الى إن اغلب الأموال المتوقع إنفاقها في عمليتي الشراء والبيع لم يتم إنفاقها بعد أو إنها أنفقت في مشاريع لا تمت للأعمار بأي صلة وإذا لم تتخذ خطوات سريعة للحيلولة دون تفاقم الوضع سيصبح العراق عندئذ اكبر فضيحة فساد في التاريخ[xlv]. ومن جانب آخر نجد أن سلطة الائتلاف المؤقتة قد أنفقت قرابة عشرين مليون دولار من الأموال العراقية بصورة فوضوية وعشوائية، وان مسئولي الاحتلال انتهكوا إجراءات سلطة الائتلاف، وبعد التدقيق تبين للمراجعين الحسابيين إن الافتقار الى الضوابط قد ترك الأموال العراقية عرضة للاحتيال والضياع أو السرقة، وربما تكون مئات الملايين من الدولارات من إيرادات النفط قد نهبت، ويحقق مكتب المفتش العام لسلطة الائتلاف المؤقتة بشأنها في حينها، وقد تم الاعتراف أن ثمة أدلة حقيقية موجودة لدى المفتش تشير الى الاحتيال وسوء استخدام السلطة[xlvi].
أما الفساد على مستوى الشركات الكبرى ومنح التراخيص فقد كان هو الأكبر تأثيرا، فقد أشارت تقارير اقتصادية أمريكية أن شركة (كليوج براون اندروت) احد فروع شركة (هاليبرتون) العاملة في مجال النفط – والتي يرئسها نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني)-قد تلقت عقودا بقيمة 3,2 مليار دولار للعمل في برنامج إعادة أعمار العراق لعلاقتها بنائب الرئيس، كما وجاءت شركة (بكتل كروب) وهي إحدى شركات الإنشاءات في المرتبة الثانية خلف (هاليبرتون) إذ تلقت عقودا بقيمة مليار دولار، وكان (جورج شولتز) وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أبان حكم الرئيس الأمريكي السابق (رونالد ريغن) احد أعضاء مجلس الإدارة فيها هذا من جانب، ومن جانب آخر التحايل في منح العقود والمقاولات فيها، إذ يشير الجنرال (ديفيد بتراوس) قائد الفرقة 101 المحمولة جوا في استجوابه أمام لجنة الإصلاح الحكومي كجزء من لجنة تقصي الحقائق التي زارت العراق من أن التكلفة التقديرية التي وضعتها كل من هاليبرتون وبكتل لتشغيل مصنع الاسمنت في الموصل (منطقة عمليات الفرقة) المتوقف بلغت 15,1 مليون دولار، ولأنه لا يتوفر لديه المبلغ ولا الصلاحيات لإنفاقه فقد استعان بشركه عراقيه تمكنت من تشغيل المصنع بـ80 ألف دولار، أي اقل من التكلفة بـ188 مره من التقدير الأمريكي[xlvii].
أما على مستوى الحكومات الوطنية فالمشكلة استمرت وازدادت وتائرها، فقد تفشت ظاهرة الفساد الإداري وسوء استخدام المال العام والرشاوى والمحسوبية والمنسوبية في عموم أجهزت الدولة العراقية مما اثر سلبا على مجمل الأوضاع في العراق، فقد كشفت صحيفة الاندبندنت البريطانية عن فضيحة مالية وصفتها بأنها من كبرى السرقات في التاريخ، تتعلق باختلاس أكثر من مليار دولار أمريكي من وزارة الدفاع العراقية، وان الوزارة تعرضت لعملية (نصب) بأكثر من مليار دولار مما أعاق قدرتها على فرض القانون والأمن في العراق، ونقلت عن وزير عراقي آخر (لقد أنفقت مبالغ كبيرة جدا وبالمقابل لم تحصل إلا على خردة معدنية)[xlviii]. أما وزارة الكهرباء فقد أهدرت ومن خلال عقود مع شركات ودول أجنبية ما قيمته 7 مليار دولار كان من الممكن استثمارها في تامين الطاقة الكهربائية والتي يعاني العراق نقصا كبيرا فيها، إذ تبين بعد مده وخاصة فيما يتعلق بالمولدات التي اشتراها العراق أنها غير صالحة ولا يمكن استخدامها، ولم يعط ذلك الوزير توضيحا حول ذلك الأمر وعند العودة الى البلد المصدر لهذه المولدات تبين انه تم التعاقد على هذه المولدات بالتحديد وانه- أي المصدر- لا يتحمل المسؤولية حول التقصير أو عدم عمل هذه المولدات[xlix]، وبسبب الوضع الحالي في العراق أصبحت أكثر الإدارات الحكومية في العراق وخاصة العليا جل همها هو الانتفاع من مغريات المنصب وما يمكن أن يترتب عليها من رواتب ضخمه ومخصصات منصب، والحط والترحال في البلدان الأجنبية، والاستفادة من العقود الضخمة وشركاتها، ولهذا أصبح المنصب ذاته هما وهدفا لمقتنصي الفرص وشغلهم الشاغل، وهذا الخطأ هو أهم خطأ وقعت فيه الحكومات العراقية بعد الاحتلال، فلم يعد إثبات القدرات القيادية للشخص أو السعي لخدمة الوطن المعيار الأهم، بل أصبح الإثراء الفاحش ومراكمة الأموال وتهريبها الى خارج البلد لشراء العقارات في الدول الأخرى هو ما يمكن لمسه في الوضع الحالي[l].
وبسبب كل ما تقدم من الإنفاق غير المراقب والتجاوز على الأموال العراقية قد أسهم في تبديد الأموال بصورة غير مسئولة مم أدى الى تفويت الفرصة على العراق من الاستفادة من هذه الأموال في إعادة الأعمار والتنمية والازدهار الاقتصادي الذي بمجمله يؤدي الى حصول الرفاه وكفالة حقوق الإنسان العراقي وصون كرامته.

3-معوقات التنمية البشرية المستدامة في العراق

3-1- ميراث الاحتلال:
قامت الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق خارقة بذلك كل المواثيق الدولية وأعراف القانون الدولي، وكان هذا العمل فرديا من خلال تحالف خارج نطاق الشرعية الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن، فبدأ الهجوم بصورة فعلية في 20 آذار 2003 ليتم إسقاط النظام الحاكم في 9 نيسان 2003، وتأسيسا على ذلك استصدرت الولايات المتحدة قرارا من الأمم المتحدة ذي الرقم 1483 في 22 آذار 2003 من مجلس الأمن لتضفي الشرعية الدولية بإطارها الشكلي باحتلال الولايات المتحدة للعراق وبذلك حكمت الولايات المتحدة العراق بشكل مباشر عبر حاكمها العسكري (جي كارنر) ولتؤل السلطة بعد ذلك الى السلطة المدنية للائتلاف برئاسة السفير الأمريكي (بول بريمر) واستمر الحال حتى 28 حزيران 2004 لتصبح الإدارة بعد ذلك عبر الحكومات العراقية المتعاقبة حتى الآن.
وقد أدى تواجد القوات العسكرية الأمريكية وبقائها في العراق بعد تسليم السلطة للعراقيين الى أن يصبح الوجود أهم واكبر عقبة وتحدي أمام التنمية البشرية المستدامة وحقوق الإنسان في العراق الجديد، وذلك بسبب ما خلفه وما سيخلفه وجود هذه القوات على الأرض العراقية من أثار سلبية، فعلى المستوى الأمني قام الحاكم المدني (بول بريمر) بإصدار البيان رقم 2 في 23 أيار 2003 تحت عنوان (حل الكيانات) ليتم بموجبه حل وزارة الدفاع وكل الوزارات ذات الصلة بالأمن الوطني وكل تشكيلات الجيش والتشكيلات العسكرية الأخرى، وأنهيت بموجب الأمر هذا خدمة أعضاء الجيش العراقي السابق[li]، مما أدى فيما بعد الى تدهور الوضع الأمني الذي يعد الركيزة الأساسية لأي تنمية بشرية مستدامة وضمان لحقوق الإنسان.
أما على الصعيد السياسي فان سلطة الاحتلال قد عمدت على ترسيخ الانتماءات الفرعية والمذهبية والطائفية على حساب الهوية الوطنية العراقية، وذلك بموجب القرار رقم 1483 الصادر من مجلس الأمن لتأسيس مجلس الحكم الانتقالي واختارت 25 عضوا اغلبهم من قوى المعارضة في خارج العراق، لكن الذي جد في الوضع أنها اختارتهم ليس على أساس حزبي فقط وإنما على أساس طائفي فقد كان للشيعة(نصف+1) أي 13 عضوا، وللسنة 5 أعضاء، وللأكراد 5 أعضاء، ومقعدين للأقليات[lii]، مما أسس الى ترسيخ الطائفية والقومية والعرقية والتي بدورها تقود مستقبلا الى عدم الاستقرار السياسي في البلد مما يعيق أي مشروع حقيقي لبناء تنمية بشرية مستدامة واحترام حقوق الإنسان العراقي. وعلى الصعيد الاقتصادي اتخذت الإدارة الأمريكية في العراق عددا من القوانين والقرارات التي بموجبها غيرت النظام الاقتصادي العراقي تغييرا جذريا، لذا أصدرت الأوامر بخصخصة الاقتصاد العراقي الذي تسيطر عليه الدولة دون تخطيط مسبق، وكذلك إصدار القرار رقم 39 في عام 2003 لإعادة تنظيم القوانين المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية الذي ينتهي بفتح الأبواب أمام المستثمرين الأجانب عدى قطاع الموارد الطبيعية(النفط خصوصا) كما لا يفرض هذا القانون على المستثمر الأجنبي اتخاذ شريك محلي عراقي كما لا يلزمه بإعادة توظيف قسم من أرباحه بالبلد، وحدد سقف الضرائب بـ(15%) وإلغاء الرسوم على البضائع المستوردة[liii]، وغيرها من السلبيات الكثيرة لعملية التحول المفاجئ والتي أدت الى التأثير سلبا في الأنشطة الاقتصادية المرتبطة باحتياجات الفئات ذات الدخل المنخفض (الحاجات الأساسية) مما يؤدي الى إعاقة مشاريع التنمية المستقبلية ويهدد ابسط حقوق الإنسان كالأمن والغذاء والدواء. أما على صعيد حقوق الإنسان فان انتهاكها أصبح بصورة سافرة ومهينه بسبب العمليات العسكرية المستمرة لقوات الاحتلال، ناهيك عن عمليات الدهم والاعتقالات العشوائية وعدم إصدار أوامر قضائية أو تقديم المعتقلين للقضاء، وهذه الانتهاكات تم الاعتراف بها رسميا من قبل القائمين على سلطة الائتلاف المؤقتة ووزارة الدفاع الأمريكية بحصول انتهاكات كبيرة وخطيرة لحقوق الإنسان من قبل القوات الأمريكية سواء في عمليات الاعتقال أو في داخل سجون هذه القوات أو في العمليات العسكرية، ويشير التقرير الذي أعدته (المجموعة المستقلة لمراجعة الاعتقال) في البنتاغون إن هناك 66 حالة إساءة الى المعتقلين في سجون القوات الأمريكية منها 55 حالة في العراق (في سجن أبو غريب) وحصول 20 حالة وفاة أثناء عمليات الاستجواب في العراق من مجموع 22 حالة وفاة سجلت في سجون هذه القوات، كما يقول التقرير (كانت سياسات الاستجواب في العراق غير مناسبة وكانت معيبة في بعض الجوانب على ثلاثة مستويات (وزارة الدفاع، القيادة المركزية/مقر القيادة الأمامية المنتشرة-7، سجن أبو غريب))[liv]. ناهيك عن عمليات القتل العشوائي وعدم التمييز بين المدنيين من غيرهم وأرقام الضحايا والمجازر التي حصلت في مختلف المدن العراقية تشير الى أرقام ضخمة وكبيرة جدا، مما يدعوا الى التوقف عندها ومطالبة كل من الحكومة العراقية والقوات الاحتلال والمنظمات الدولية الى إيقاف هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، لان الإنسان هو هدف وغاية التنمية البشرية المستدامة، فإذا انتهكت حقوقه لا يمكن للتنمية أن تقوم أصلا.

3-2-انحسار دور القطاع الحكومي في تطوير وإدارة الاقتصاد:
إن الاقتصاد العراقي كما هو معروف تعرض لنكسات متعاقبة بسبب الحروب التي خاضها البلد والتشوه في بنيته الاقتصادية بسبب السياسات الاقتصادية خاصة في ثمانينات القرن المنصرم، حتى انه عرف في ذلك الوقت بأنه (اقتصاد حرب) وما نجم عن هذه الحرب من دمار وتفويت الفرصة الاقتصادية على العراق للتطور باتجاه مستوى أعلى اقتصاديا والذي كان مقدرا أن يصل إليه لولاها، لتأتي بعد ذلك الضربة القاصمة للاقتصاد ككل بدخول العراق للكويت والعقوبات الدولية التي تلتها حرب الخليج الثانية لتأتي على البنية الاقتصادية التحتية بصورة شبه كاملة لتفاقم مشكلة الاقتصاد التي دون أي شك تركت آثارها- أي المشكلة- على المواطن العراقي.أما بعد احتلال القوات الأمريكية للعراق في نيسان 2003 وإتمام سيطرتها فإنها تركت البني العراقية وخاصة الاقتصادية منها عرضه للسلب والنهب والتلاعب والتدمير بيد السراق والمجرمين دون أي مجال للحماية والدفاع عنها وهذا ما أدى الى انهيار هذه البني ودمارها بشكل كامل، فضلا عن سرقة وتدمير البني المالية كالمصارف والبنوك وسرقة محتوياتها المالية.
وقد كان لإدارة سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق وما بعدها من إدارات حكومية أثارا توزعت على مجمل الاقتصاد العراقي من حيث شكل السياسات الاقتصادية التي قامت بها الإدارة الأمريكية لتحاول من خلالها ترسيخ توجهها نحو اقتصاد السوق وإجراء عملية التحول الاقتصادي، حيث تبنت الإدارة الأمريكية التحول بالاقتصاد من التخطيط الاقتصادي الموجه من قبل الدولة الى اقتصاد السوق الحرة والذي تعتمد فلسفته بصورة أساسية على دور القطاع الخاص في إدارة المشروعات الاقتصادية بصورة عامه، إذ يتكفل الأخير بنسبة كبيرة من الإنتاج والاستخدام وله دور كبير ورئيس في تخصيص الموارد وتوجيهها نحو الاستخدامات المختلفة، كذلك له السبق في الابتكار والمبادرة وتوسيع الأسواق وتعزيز العلاقات الاقتصادية في الداخل والخارج، وبذلك فان البلدان التي تعيش حالة التخطيط المركزي أو التنمية الموجهة من قبل الدولة عليها أن تحول اغلب ملكية مشاريعها الى القطاع الخاص لتكون بذلك الآلية الرئيسة لاقتصاد السوق[lv].
وبقدر تعلق الأمر بالاقتصاد العراقي فانه بعد الاحتلال وتولي السفير (بول بريمر) إدارة سلطة الائتلاف المؤقتة أطلق برنامجه الواسع في الإصلاح الاقتصادي في العراق، إذ أطلق (العلاج بالصدمة) لإجراء الإصلاحات في البني التحتية الاقتصادية العراقية والعمل على خصخصة القطاع العام وفتح الحدود أمام المنتجات الأجنبية وتشريع قانونها الخاص للاستثمار الأجنبي المباشر (والذي بموجبه منح المستثمر الأجنبي إمكانية امتلاك مشروع بنسبة 100%) وغيرها من الإصلاحات[lvi]، وفي السياق ذاته فانه من أهم مقومات السياسة الأمريكية في العراق هو إبعاده عن تحكم الدولة في اقتصادياته وتحويله الى اقتصاد حر من اجل فتح الباب أمام الشركات الكبرى وخاصة الأمريكية منها. وعلى صعيد الحكومات العراقية المتعاقبة فقد استمر النهج نفسه تقريبا مع بقاء دعم الحكومة لبعض البرامج مقابل رفع الدعم أمام الأخرى، وكان ذلك بسبب اشتراطات المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، فقد استمر دعم البطاقة التموينية لأنها تعد حجر الزاوية في توفير السلع الغذائية للشعب العراقي(بالرغم من تذبذبها وعدم توفيرها لكل الحاجات الغذائية) مقابل رفع الدعم عن المشتقات النفطية، مما ولد هذا الوضع تشوهات كبيرة في العمليات الاقتصادية للبلد من خلال عدم اكتساب آليات اقتصاد السوق وتخلخلها وظهور تناقض واضح في آلياتها، فمن ناحية بقية الدولة هي المتصرف الوحيد للتنمية مقابل عجز القطاع الخاص المحلي في توفير احتياجات السو4ق، ومن ناحية أخرى مطالبة المنظمات المالية الدولية ترك المجال حرا أمام السوق لكي يحدد نمط تنمية ملائم[lvii].

3-3- غياب إستراتيجية تنموية عراقية واضحة:
تسببت السياسة الاقتصادية التي أنتهجها النظام الدكتاتوري السابق على تعميق معاناة الشعب، وفشلت السلطات العراقية مرارا في وضع إستراتيجية تنموية شامله لتلبية الاحتياجات الأساسية في ميادين الصحة، التعليم، المياه الصالحة للشرب، الصرف الصحي، والصناعة النفطية. فالنظام الدكتاتوري لم يتصرف بمسؤولية فحسب ، بل وظف معاناة الشعب وتدني مستوياته المعيشية للأغراض السياسية[lviii].
إن التخطيط للتنمية وإعادة الأعمار ووضع إستراتيجية تنموية شاملة لمعالجة آثار هذه التركة الثقيلة ولتحقيق إصلاحات هيكلية للاقتصاد العراقي، قد اصطدم بمجموعة من الفرضيات والتقديرات القاصرة للأوضاع المستجدة في العراق مما انعكس سلبيا" على تنفيذ البرامج والفعاليات المقترحة، فلا جدال في أن هنالك اتفاقا" على معظم الأوليات الواجب تنفيذها لإزالة التخلف وإنماء الاقتصاد العراقي ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، إلا أن الخلاف كما يبدو قد انعكس في المقاربة  approach الواجب اعتمادها لبلوغ هذه الغايات. في هذا السياق، كانت هنالك مقاربتان، الأولى المسماة مجازا" بالمقاربة الإيديولوجية، وتتركز على اعتبار أن انتهاء الحرب وسقوط النظام السابق قد وفرا الشروط اللازمة والمناخ المطلوب لوضع خطط جذرية لإصلاح الوضع العام وتطبيق وصفات (جاهزة) مستقاة من تجارب مغايرة لبلدان أخرى ولاسيما بلدان أوروبا الشرقية، وهي التي استندت الى استخدام مصطلح مرحلة ما بعد النزاع post-conflict ، غير أن تطور الأحداث أبان قصور هذه الرؤيا والتقديرات، حيث تفاقم الصراع الداخلي واتسعت موجة التمرد وأعمال العنف والإرهاب وما اقترن بذلك من نزاعات طائفية. أما المقاربة الثانية فهي الموسومة بالبراغماتية ( الذرائعية أو العملية)، حيث تنطلق من إعطاء تقدير سليم للتطورات الجارية في الواقع الحي وتفهم وملاحظة المتغيرات الجديدة في مرحلة ما بعد سقوط النظام. وهي المقاربة التي تستدعي اعتماد منهج تدريجي في مواجهة الأخطار الجديدة وتطبيق برنامج الإصلاحات، أي إنه يأخذ بنظر الاعتبار أن العراق ما زال يعاني من نزاعات داخلية، ولم تتوافر له بعد أسباب الأمن والاستقرار على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية وإعادة الأعمار. فالفهم الصحيح للظروف الجديدة في العراق والمتغيرات الناشئة بالارتباط مع سقوط النظام وفرض الاحتلال الأجنبي، كان أمرا" في غاية الأهمية من الناحية المنهجية لصياغة البرامج الإنمائية اللاحقة. والواقع أن العديد من هذه البرامج والخطط قد تعثرت أو أنها لم تر النور أبدا" بسبب التدهور الأمني وهجمات التخريب. الأمر الذي يؤكد خطأ المراهنة على المقاربة الأولى واعتمادها، إذ كان ينبغي اعتماد منهج تدريجي وبراغماتي يوفر إمكانية تحديد الأولويات على نحو مختلف ويأخذ بنظر الاعتبار التحديات الجديدة والسعي لمواجهتها بأسلوب  فعال، ولاسيما في مجال حفظ الأمن والاستقرار وترسيخ الوحدة الوطنية وبناء مؤسسات الدولة[lix].

4- الرؤية المستقبلية للتنمية البشرية المستدامة وحقوق الإنسان في العراق:
إن مستقبل التنمية البشرية المستدامة وحقوق الإنسان في العراق يكتنفه نوع من الغموض بسبب المرحلة الانتقالية التي يمر بها العراق بسبب انتقاله من نظام دكتاتوري شمولي الى نظام ديمقراطي حر وما يرافق هذا التغيير من تحولات سيما وان عملية التغيير جاءت من الخارج وباستخدام القوة العسكرية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا إننا نستطيع الوقوف على مشهدين لهذا المستقبل يتمثل الأول باستمرار النهج الذي ابتدأته سلطة الائتلاف المؤقتة والحاكم المدني الأمريكي بول برايمر ورؤيته لعملية التحول الاقتصادي وعملية النمو الاقتصادي والتي ترى بالأخذ بالتعددية السياسية وضمان حقوق الإنسان وتفعيل دور المجتمع المدني فضلا عن تأكيدها على أن تترك الدولة زمام الأمور في عملية التنمية الى قوى السوق الحرة، وبمعنى آخر إعادة توزيع إجمالية للموارد والأفراد بإبعادهم عن سيطرة الدولة الى المؤسسات الخاصة، تعزيز التجارة الخارجية، تحشيد الرأسمال الوطني والأجنبي، وتشجع القطاع الخاص على إعادة توزيع الموارد وتقليص وحتى إلغاء الدعم للقطاع العام والسلع الاستهلاكية والضرورية للمواطنين بهدف زيادة الضرائب ورفع الأسعار وخفض القدرة الشرائية للمواطنين، وإطلاق حرية السوق، وإقحام اختراق الرأسمال الأجنبي لزيادة أرباحه وبالتالي خلق الخلل في الميزان التجاري لصالح الاستيراد على حساب التصدير وإلغاء دور السلطة في توجيه الاقتصاد، وتجلى ذلك من خلال القوانين التي سنها السفير الأمريكي سيما قانون الاستثمار الذي يسمح بامتلاك الشركات الأجنبية (وخاصة الأمريكية) لـ 100% من قيمة المشروع وحق هذه الشركات في تحويل 100% من أرباح المشروع خارج العراق وغيرها من القوانين، وهذا المشهد غير مرجح من حيث الاستمرارية وذلك بسبب تسلم السلطات العراقية لزمام إدارة الدولة فيما بعد والشروع بسن قوانين تعطي للدولة دور اكبر في إدارة الاقتصاد على عكس ما شرعت به الإدارة الأمريكية وهو ما نراه في المشهد الثاني الذي يقوم على افتراض استعادة الدور الطبيعي والفعال للدولة كمنظم وحام للقانون والنظام وللأمن الفردي والعام في البلاد والذي بدوره يؤدي الى استدامة التنمية البشرية المنشودة واحترام حقوق الإنسان إذ إن استعادة دور الدولة وتمكينها من أداء مهماتها الطبيعية لا يعني استرجاع  الممارسات السابقة للنظام الشمولي، بل إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية وقادرة على تأمين الإصلاحات المنشودة، فلا يمكن للتنمية البشرية المستدامة  واحترام حقوق الإنسان وتطبيع الحياة العامة ومواجهة التحديات الأمنية أن تتم من دون توفر مؤسسات فاعلة، وهذا المشهد هو المرجح ومن الممكن الأخذ به في المستقبل بسبب تلبيته لحاجات المرحلة الحالية وحاجات المستقبل القريب والمتوسط في ابعد الأحوال وبعد ذلك من الممكن الاستغناء عن دور الدولة الفاعل بصوره تدريجية لا تعود بالضرر على حياة الإنسان العراقي.
م.م رياض مهدي عبد الكاظم/ كلية القانون / جامعة واسط/ بحث منشور في مجلة واسط للعلوم الانسانية/ العدد8/ 2008



[i] انظر د.رعد سامي التميمي، العولمة والتنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي، ط1، عمان، 2007، ص32.
[ii] مما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن هنالك جدلا حاصلا بين المفكرين الاقتصاديين حول دور كل من الدولة والسوق في تحقيق المزايا الاقتصادية لقطاع التنمية البشرية لاسيما وان هنالك العديد من الآراء  والأفكار لبعض المفكرين تشير الى أن السوق وحدها ليست منضبطة من تلقاء نفسها ومن ثم فمن الضروري وجود قوى تنظيمية من خارج السوق تقوم على بناء رأس المال الاجتماعي، ولمزيد من التفاصيل حول هذه الآراء والأفكار انظر، فرانسيس فوكوياما، التصدع العظيم الفطرة الإنسانية وإعادة تشكيل النظام الاجتماعي، ترجمة عزة حسين كبة، بغداد، بيت الحكمة، ط1، 2004.
[iii] إن موضوع سياسات التثبيت الاقتصادي والتكييف الهيكلي يعد احد ابرز ركائز النظام الرأسمالي واهم المبادئ التي تنادي بها العولمة، ولمزيد من التفاصيل حول هذه السياسات واليات عملها انظر سالم توفيق النجفي، سياسات التثبيت الاقتصادي والتكييف الهيكلي وأثرها في التكامل الاقتصادي العربي، ط1، بغداد، بيت الحكمة، 2002.
[iv] د.رعد سامي التميمي، التنمية البشرية المستدامة في البلدان العربية-دراسة في الانعكاسات السياسية-، مجلة دراسات عراقية، العدد6، بغداد، مركز العراق للبحوث والدراسات الإستراتيجية، 2006،ص151.
[v] قاسم محمد عبد الدليمي، الديمقراطية والتنمية المستدامة في الوطن العربي-دراسة في التحديات الداخلية والدولية-، مجلة قضايا سياسية، كلية العلوم السياسية ، جامعة بغداد، العدد 11، 2006، ص130.
[vi] نقلا عن ، المصدر نفسه، ص129.
[vii] تقرير التنمية البشرية لعام 1993، نيويورك، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 1993، ص3.
[viii] رواء زكي الطويل، التنمية البشرية وحقوق الإنسان، بحث مقدم الى ندوة حقوق الإنسان في المجتمع العربي، عمان، جامعة مؤتة، 2005، ص12.
[ix] عبد الخالق عبد الله، البعد السياسي للتنمية البشرية، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 290، 2003، ص93.
[x] د. رعد سامي التميمي، العولمة والتنمية البشرية المستدامة، مصدر سبق ذكره، ص35،ص36.
[xi] رياض عزيز هادي، حقوق الإنسان –تطورها مضامينها حمايتها، بغداد، ط1، 2005، ص3.
[xii] أمير موسى، حقوق الإنسان مدخل الى وعي حقوقي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط2، 2002، ص15.
[xiii] رضوان زيادة، مسيرة حقوق الإنسان في العالم العربي، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000، ص13.
[xiv] محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية، ط3، 2004، ص139.
[xv] نقلا عن، صلاح حسن مطرود، مبادئ وقواعد عامه في حقوق الإنسان وحرياته العامة، بغداد، 2005، ص8.
[xvi] محمد عبد الملك متوكل، الإسلام وحقوق الإنسان، في مجموعة باحثين، حقوق الإنسان الرؤى العالمية والإسلامية والعربية، بيروت ،مركز دراسات لوحدة العربية، ط1، 2005، ص85.
[xvii] محمد سعيد المجذوب، الحريات العامة وحقوق الإنسان، لبنان، ط1، 1986، ص9.
[xviii] بطرس بطرس غالي، حقوق الإنسان بين الديمقراطية والتنمية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، عدد114، 1993، ص142.
[xix] ثامر كامل محمد، حقوق الإنسان بين الضغوط الخارجية والقيم الوطنية، بحث مقدم الى ندوة حقوق الإنسان في المجتمع العربي، عمان، جامعة مؤتة، 2005، ص12.
[xx] محمد ميكو، حقوق الإنسان وأزمتها، في مجموعة باحثين، الدول النامية بين المطلب الديمقراطي وبين الأولوية الاقتصادية، الرباط، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، 1994، ص25.
[xxi] باسيل يوسف، الفقر والغنى في الوطن العربي، مجموعة باحثين، بغداد، بيت الحكمة، 2002، ص96.
[xxii] لمزيد من التفاصيل حول تطور مفهوم حقوق الإنسان انظر، رياض مهدي عبد الكاظم، السياسة الخارجية الأمريكية وحقوق الإنسان-دراسة حالة كوسوفو-، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2007، ص43،ص53.
[xxiii] فيصل شطناوي، حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، عمان، دار الكرمل للنشر والتوزيع، ط2، 2004، ص105، ص106
[xxiv] لمزيد من التفاصيل انظر، باسيل يوسف، دبلوماسية حقوق الإنسان المرجعية القانونية والآليات، بغداد، بيت الحكمة، 2002.
[xxv] إعلان الحق في التنمية، الأمم المتحدة، 1986.
[xxvi] لمزيد من التفاصيل انظر، رعد سامي التميمي، العولمة والتنمية البشرية المستدامة، مصدر سبق ذكره، ص35، ص36.
[xxvii] وفيق حلمي الاغا وملاذ عبد الرحيم الاغا، مستقبل التنمية البشرية وحقوق الإنسان في قطاع غزة في ظل المرحلة المقبلة، بحث منشور في ندوة حقوق الإنسان في المجتمع العربي، عمان، جامعة مؤتة، 2005، ص13.
[xxviii] فيليبس بينيس وآخرون، دفع الثمن، النفقات المتصاعدة للحرب على العراق، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 306، 2004، ص113.
[xxix] مسح الأحوال المعيشية في العراق لعام 2004، تقرير وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية، بغداد، العراق، ط1، 2004،ص11.
[xxx] تقديرات البطالة في العراق، شبكة المعلومات الدولية الانترنيت.www.alsabah.com/archeev/articaales/2006/htm
[xxxi] قاسم عبد محمد الدليمي، مصدر سبق ذكره، ص138.
[xxxii] مسح الأحوال المعيشية في العراق، مصدر سبق ذكره، ص80.
[xxxiii] كريم حمزة محمد، الفقر–تطور مؤشرات الإطار المفاهيمي، في مجموعة باحثين، الفقر والغنى في الوطن العربي، بغداد، بيت الحكمة، 2002، ص26.
[xxxiv] انظر وفاء جعفر المهداوي، نظام الحماية الاجتماعية وحقوق الإنسان في العراق، مقترح لبناء برنامج وطني، مجلة الحكمة، بغداد ، بيت الحكمة ، العدد42، 2006، ص76.
[xxxv] كريم محمد حمزة، مصدر سبق ذكره، ص26، ص27.
[xxxvi] انظر مهدي العلاق( رئيس الجهاز المركزي للإحصاء والمعلومات في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية)، قياس الفقر في العراق-رؤية مبسطه-، جريدة الصباح، على شبكة المعلومات الدولية الانترنيت.
www.alsabaah.com         
[xxxvii] لمزيد من التفاصيل انظر، نبيل جعفر عبد الرضا، الإجراءات الفعالة لمواجهة الفقر في العراق، جريدة المنارة، على شبكة المعلومات الدولية الانترنيت، www.al-mannarah.com 
[xxxviii] انظر مهدي العلاق، مصدر سبق ذكره.
[xxxix] انظر وفاء جعفر المهداوي، مصدر سبق ذكره، ص74.
[xl] يوتا بوكاريت، الوضع الإنساني في العراق والبرنامج الإنساني وحقوق الإنسان، في مجموعة باحثين، انتهاكات العدوان والحصار لحقوق الإنسان في العراق، بغداد، بيت الحكمة، ط1، 2002، ص76.
[xli] Abdulwahab Dallaeen, The Effect of the comprehensive Embargo on the conditions of Human Rights in Iraq in the Baghdad International Symposium on the 50 Anniversary of the Universal Declaration of Human Rights, Baghdad, Ministry of Foreign Affairs1998, p,p44.                                                    
[xlii] مسح الأحوال المعيشية في العراق، مصدر سبق ذكره، ص28.
[xliii] ضاري خليل محمود، الحصار ضد العراق انتهاك لحقوق الإنسان، في مجموعة باحثين، انتهاكات العدوان والحصار لحقوق الإنسان في العراق ، بغداد، بيت الحكمة، ظ1، 2002، ص86
[xliv] مسح الأحوال المعيشية في العراق، مصدر سبق ذكره، ص55.
[xlv] لمزيد من التفاصيل انظر، وجدان فالح حسن، نمط إدارة الحكم في العراق- آثاره السياسية والاقتصادية للمدة (1921-2006) ، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2007، ص236،ص 239.
[xlvi] ستيفن فيولر وديميتري سيفاستويولو، ماذا حدث لعشرين مليار دولار من الأموال العراقية، مجلة المستقبل العربي ، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 381، 2005، ص146.
[xlvii] انظر، كرم عبد العزيز أصلان، حصاد جهود أعمار العراق، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية، العدد 164، 2006، ص150.
[xlviii] نقلا عن ، المصدر نفسه، ص149.
[xlix] الفساد في وزارة الكهرباء، شبكة المعلومات الدولية الانترنيت،
[l] انظر، وجدان فالح حسن، مصدر سبق ذكره، ص240.
[li] بول بريمر، عام قضيته في العراق(النضال لبناء غد مرجو)، ترجمة عمر الأيوبي، دار الكتاب العربي، ط1، 2006، ص78.
[lii] وجدان فالح حسن، مصدر سبق ذكره، ص206.
[liii] احمد عمر الراوي، دور الاستثمار الأجنبي في إعادة بناء الاقتصاد العراقي، مجلة دراسات عراقية، بغداد، مركز العراق للبحوث والدراسات الإستراتيجية، العدد2، 2006، ص42.
[liv] انظر، المجموعة المستقلة لمراجعة عمليات الاعتقال (البنتاغون)، ماذا حصل في سجن أبو غريب، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 708، 2004، ص71، ص72.
[lv] هشام ياس شعلان، آليات التحول من نظام التخطيط المركزي الى نظام اقتصاد السوق، بغداد، دار الشؤون الثقافية، وزارة الثقافة، 2004، ص98.
[lvi] انظر، وجدان فالح حسن، مصدر سبق ذكره، ص232.
[lvii] سالم توفيق النجفي، مستقبل التنمية في العراق، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، عدد317، 2004،ص97.
[lviii] التنمية المستدامة في العراق الحديث، مقال منشور على شبكة المعلومات الدولية الانترنيت.
[lix] د. مهدي الحافظ، التنمية المستدامة في ظل الصراع الدائر في العراق، جريدة الصباح، على شبكة المعلومات الدولية الانترنيت. www.alsabaah.com                                                                                      


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق