الخميس، 26 يناير 2017

المعلوماتية و الحروب الحديثة - دراسة حالة الحرب الامريكية على العراق عام 2003-

المقدمة
يؤكد التاريخ أنه عملياً، وخلال كل الأزمنة، كانت الدول غالبا ما تلجأ للحروب والقهر المسلح لتحقيق أهدافها السياسية، والحرب ظاهرة اجتماعية وسياسية معقدة ومتعددة الجوانب، اذ يمكن النظر إليها والبحث فيها من زوايا وجوانب مختلفة، تاريخية، واقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وعسكرية، ويمكن القول إن الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، أي أن تحقق الأهداف السياسية يتم بواسطة العمل المسلح، وذلك عندما تستنفد كافة الوسائل الأخرى.
 وفي الوقت نفسه يجمع المسؤولون عن المؤسسات العسكرية حول العالم، على ان نجاح الحروب التي تشن اليوم ومستقبلا، سوف يفوز بها الجانب الذي يتقن حرب المعلوماتية والتجسس على الاتصالات. فقد كانت الحروب السابقة  تشن في الدرجة الاولى بحرا او برا او جوا، وكانت الهجمات المباشرة الناجحة على منشآت الخصم الحيوية هي التي تؤدي الى النصر في نهاية المطاف، انما في هذا القرن، فإثر اختبار اهمية وتأثير العمليات السيكولوجية وتعزيز عمل نظم حرب المعلوماتية فلن يتقرر مصير الحروب حاليا ومستقبلا من خلال الهجمات التقليدية، بل سيكون النصر الى جانب من يعرف وبدقة، وضع الدولة الخصم ونقاط ضعفها، وكلما استمر الجانب الاقوى في جمع المعلومات الآنية الصحيحة والدقيقة عن الخصم، كلما أتيحت له الفرص المؤاتية ليوجه اليه ضربات قاصمة تقوده الى النصر.
ولم يتوقف الامر عند ماتقدم، وانما وصل الى ان  يحذر خبراء في الأسلحة المتقدمة من أن التقدم الكبير في تقنيات الحرب المعلوماتية سيفضي إلى تطوير "أسلحة معلوماتية ذكية" لا يمكن وقفها وستصعب السيطرة عليها من قبل مستخدميها البشريين، اذ قال (إن تيوغو) خبير تكنولوجيا المعلومات في مركز الدفاع المعلوماتي التابع لحلف شمال الاطلسي في تالين خلال المؤتمر السنوي الرابع للمركز ان التطور السريع في (تكنولوجيا) المعلوماتية قد يفضي الى اسلحة معلوماتية ذكية يصعب السيطرة عليها ومن شبه المستحيل استخدام اساليب للتحقق من سلامة الاسلحة المعلوماتية الذكية من قبل مستخدميها.
ينطلق البحث من الفرضيه التي مفادها (ان الحروب الحديثة تطورت وتشعبت واختلفت بكل تفاصيلها، وهذا التطور يسير بشكل طردي مع تطور المعلوماتية والتقدم التكنلوجي)، وستتم محاولت اثبات هذا الافتراض من خلال تقسيم الدراسة الى ثلاث مباحث يتناول الاول منها الاطار النظري والمفاهيمي لمفهوم المعلوماتية، ومفهوم الحروب الحديثة، والتكنولوجيا والحرب، اما المبحث الثاني فيتناول الثورة المعلوماتية وابعادها وانواع الحروب الحديثة والمستقبلية، اما المبحث الثالث فيتطرق الى دراسة حالة الحرب الامريكية على العراق عام 2003، كتطبيق عملي للحروب الحديثة باستخدام المعلوماتية، فضلا عن الخاتمة.

المبحث الاول: الاطار النظري والمفاهيمي:
ان تحديد المصطلحات هي الخطوة الاهم لادراك وتفسير الظواهر المختلفة، ذلك لان كل ممارسة وتطبيق لاية ظاهرة ينبغي لها ان لا تبتعد عن النظرية، لان هذا التباعد قد يؤدي بها الى ان تكون ذات طابع عفوي وفوضوي غير سليم.
ومن هنا تتضح اهمية وضع اطار نظري لتحديد المفاهيم المتعلقة بموضوع البحث وهي كل من (مفهوم المعلوماتية، مفهوم الحروب الحديثة، التكنولوجيا والحرب).

المطلب الاول: مفهوم المعلوماتية:
احدثت ثورة المعلومات منذ عقدين او اكثر انقلابا هائلا في علاقات الناس بالعالم، وفي مفاهيم المكان والزمان التقليدية، فباتت السيطرة على المكان والزمان ايسر من ذي قبل مع النجاح الكبير في اختصار المسافات والوقت وتسريع وسائل الاتصال والتواصل واطلاق التدفق الحر للمعلومات دون قيود او كوابح، وربط الناس بحوادث العالم ومتغيراته الفورية([i]).
والمعلوماتية هي الدراسة للبنية والسلوك والتفاعلات في المنظومات الحاسباتية سواء الطبيعية كما في الشبكات التي تربط الخلايا العصبية بالمخ البشري وكيفية انتقال الاشارات عبر هذه الشبكات ومفهوم التعلم والذكاء في المخلوقات الحية، او المصطنعة وهي الكومبيوتر والبرامجيات وشبكات الاتصال.
ويمكن القول ان المعلوماتية هي علم المعلومات وكأي علم فانها تحاول تفسير الظواهر وليس الفرضيات، ومن ثم تقوم المعلوماتية بابراز المفاهيم الاساسية الخاصة بها وهي الاتصالات والمعرفة والتفاعلات والبيانات والمعلومات، ثم الربط بين كل ذلك وبين بعض الظواهر المرتبطة بالجنس البشري مثل الفكر واللغة([ii]).
وقد وجد هذا المصطلح في فضاء واسع من الحقول والتخصصات المتنوعه ويرتبط بابعاد وعلاقات ومداخل متباينه، منها ما هو واضح وملموس ومنها ماهو مؤثر وحيوي غير مرئي، والمعلوماتية كانت تعني الحوسبة، وهي حوسبة الكترونية للمعلومات او خلق آلي لها، وهي وليدة تلاقي بين ثلاث تكنولوجيات هي تكنولوجيا الحاسوب والبرامجيات والاتصال او نقل البيانات([iii]).
وتعرف المعلوماتية بعدة تعريفات منها: (انها النشاطات الخاصة بانتاج وتشغيل وتخزين ونقل ومعالجة ونشر المعلومات)([iv])، و تعرف ايضا بـ(انها التصميم والتطبيق لمنظومات معقدة من المعدات والبرامجيات من اجل استخلاص المعرفه من قواعد بيانات ضخمة)([v])، وكذلك تعرف بـ(انها بيانات تمت معالجتها باي من الطرق الحسابية او المنطقية لتستخدم في اتخاذ قرارات فعالة ومؤثرة ويمكن استخدامها في مراحل تالية لانتاج معلومات جديدة)([vi]).
اما العمليات المعلوماتية فتعرف بأنها (التوظيف المتكامل للحرب الالكترونية وعمليات الشبكة الحاسوبية والعمليات النفسية والخداع العسكري والأمن العملياتي، وذلك بالتنسيق مع جهات الإسناد المحددة والقدرات ذات الصلة، من أجل التأثير على أو تعطيل أو إفساد أو السيطرة على عمليات صنع القرار الآلي والبشرية المعادية مع حماية تلك الخاصة بالطرف الاول).
كما وتجدر الاشارة الى ان للمعلوماتية ابعاد عده منها، البعد الحسابي والبعد المعرفي والبعد الاجتماعي، فعلم المعرفه يختص بدراسة المنظومات الطبيعية ويختص علم الحاسبات بالجانب الحسابي وتصميم منظومات المعلومات، ويلعب الذكاء الاصطناعي دور الربط بتصميم منظومة تحاكي تلك الموجودة في الطبيعه، كما تؤثر المعلوماتية وتتأثر بنظم اخرى مثل  الرياضيات والالكترونيات والاحياء واللغويات وعلم النفس، وبذلك تقدم المعلوماتية الوصل بين النظم بمنهجيتها وميزاتها الخاصة، وتؤلف منهم نموذجا علميا عاما وأساليب هندسية عامة، وتستمد الحافز الشامل من التطور التكنولوجي والتطبيقات العملية([vii]).
كما وقد حظيت المعلوماتية باهمية كبيرة وهذا تابع للخصائص التي تميزت بها والتي يمكن اجمالها بالاتي:
1.    انها تستطيع محاكاة السلوك الانساني، فهي قادرة على القيام بوظائف عديدة، ولها أثر هام وبعيد المدى في النظام الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
2.    تشكل المعلوماتية أهم المجالات لتطبيق الالكترونيات الصفرية، وهذا نابع بالتأكيد من حتمية الثقافات في حقلي الحوسبة والاتصالات.
3.    وفرت المعلوماتية للانسان امكانية تحطيم الحواجز الزمانية والمكانية عبر التطورات الهائلة في سبل الاتصال.
4.    تمتاز المعلوماتية بخاصية التجريد، فالقدرة الهائلة لتقانة المعلومات على محاكات الواقع تضع واقعا متخيلا وافتراضيا يصعب معرفته من الواقع الحقيقي.
5.    تتسم المعلوماتية بالتنوع والشمول وعلى وفق الحقيقتين الآتيتين:
أ‌-     ايجاد انظمة الذكاء الاصطناعي اذ يمكن لهذه الانظمة أن تتخاطب باللغات الطبيعية وتقوم بعمل التنبؤات المعتمدة فضلا عن قيانها بعدد من العمليات المعقدة وتتوصل الى حل بعض المشكلات التي تتصف بدرجة عالية من الخطورة.
ب‌-ازدياد الاعتماد على المعرفة المنظمة التي ستصبح اكثر تعقيدا وتعطي مزيدا من الحيادية تحت ظروف متغيرة وسيبقى التطور في هذا الميدان محورا اساسيا في كل ميادين التطور التقاني في ثورة المعلوماتية([viii]).
ومما تقدم يتضح لنا ان المعلوماتية وخصائصها وابعادها اصبح لها دور مميز في تقريب ارجاء العالم ليصبح قرية صغيرة، كما ان تكنولوجيا المعلومات اصبحت تساهم في تحويل المشاكل الداخلية والاقليمية الى مشاكل مشتركة لتساعد على نوع جديد من العلاقات غير المتكافئة بين الدول، اذ تتمتع البعض بقدرة متميزة في حين تكون الاخرى محرومة منها، ولعل ابرز مبتكرات ثورة المعلومات هو الانترنيت الذي سمح للملايين من البشر المتعاملين معه ان يمارسوا حرية التفكير والتعبير من خلال استخدام البريد الالكتروني والانضمام الى جماعات للنقاش وغيرها، اذ يمكن للمشترك ان يبني موقعا وينشر فيه الناس او الاحزاب او الجماعات الثورية افكارهم على العالم ويمكنهم من تلقي واستلام ردود فعل المشاركين في الشبكة ازاء هذه الافكار.
اي ان المعلوماتية سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه كسلاح تقاني وثقافي من قبل الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا تجاه الدول القليلة الخبرة المتخلفه في هذا المجال، لكن في الوقت نفسه تستطيع هذه الدول (اي المتخلفه) من اختراق هذا السلاح وتوجيهه ضد الدول المتقدمة، وهذا ما سيتم توضيحه لاحقا في اقسام هذا البحث.

المطلب الثاني: الحروب الحديثة:
تعد الحرب واحدة من اقدم الظواهر التي عرفتها المجتمعات البشرية، وهذه الظاهرة تجسدت اولا على مستوى الصراعات الفردية عندما كانت ترتقي الى مستوى التلاحم والاشتباك وان كانت اولية في تقنياتها وادواتها القتالية، كما ان هذه الظاهرة عرفتها الجماعات المنظمة ابتداءا بالاسرة، ومرورا بالقبيلة والعشيرة وانتهاءا بالجانب المؤسسي الاكثر تعقيدا وهو الدولة([ix]).
وقد تعددت تعارف الحرب عموما باختلاف المحللين لآثارها المدمرة والدارسين لاسبابها، فهي عند المفكر الانكليزي هوبز (حرب الجميع ضد الجميع)، وعند كوينسي رايت هي (الاساس القانوني الذي يسمح لجماعتين او عدة جماعات متعادية بان تحل النزاع فيما بينها بالقوات المسلحة)، اما كارل كلاوزفيتز فيعتبرها (عملا من اعمال العنف يهدف الى اجبار العدو على تنفيذ ارادة خصمه)([x]).  
وما تقدم يمثل الجانب التقليدي للحروب المتعارف عليها دوليا، الا ان الثورة التكنولوجية سيما في تسعينات القرن الماضي والتغيرات التي حققتها في مجال المعرفة والتقنيات غيرت وابتكرت انواع جديدة ومفاهيم حديثة للحروب، وبهذا الصدد يذكر (الفن توفلر) في كتابه -الحرب والحرب المضاده- ان غايات الحروب في كل عصر من العصور الحديثة تتأثر بالظروف الاجتماعية السائدة في ذلك العصر، ففي عصر الزراعة كانت الحروب الناجحة تقاس بالتمكن من احتلال اقاليم العدو والسيطرة عليها وعلى موارده، اما في عصر الصناعة فان غايات الحروب هي النجاح في تدمير الامكانيات الانتاجية للعدو او التفوق عليها في مجال الانتاج الصناعي([xi])، اما في عصر ما بعد الصناعه واول مثال لحروبها تمثلت في حرب الخليج الثانية عام 1991 والتي اعتمدت على (130) قمرا صناعيا وشبكة الانترنيت العالمية في ايصال المعلومات والاوامر للقوات المشتركة في الحرب، ومن ثم الحرب الامريكية على العراق عام 2003 فشهد انتقال الصراع العسكري الى فضاء المعلومات واستخدام تقنيات جديدة تحقق الهيمنة السريعه على الخصم استنادا الى ان الهدف منها لم يعد مرتكزا على اساس التدمير الشامل لقدرات العدو او استنزافها بقدر ما اصبح يتركز بشكل رئيس على التأثير في ارادة الخصم وادراكه ومن ثم السيطرة عليه. ويتحقق هذا الامر من خلال استخدام التقنيات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات واستثمارها في مجال الحرب النفسية والدعائية المكثفه قبل واثناء عمليات الغزو لزعزعة الجانب النفسي للحرب (المتمثلة بالعراق) وتزامن ذلك مع تشكيل هيكل قوة عسكرية متخصصة تمتاز بعامل السرعة وخفة الحركة والقدرة النارية العالية، فضلا عن التنسيق والتنظيم والاوامر القائمة على اساس المعلوماتية لكل التحركات العسكرية الميدانية على ارض المعركة بصورة دقيقة([xii]). اي ان مثال حرب العراق عام 2003 تمثل التطبيق العملي لمفهوم الحروب الحديثة، الحروب التي تختلف في اهدافها ووسائلها واستراتيجياتها عما كان سائدا من عقائد ومفاهيم تقليدية سابقة وذلك بفعل ما وصل اليه التقدم التكنولوجي، سيما في مجال المعلوماتية.
المطلب الثالث: التكنولوجيا والحرب:
ان التقنيات الحديثة التي طاولت الفضاء والسلاح ادخلت تغييرا جذريا على قوانين الحرب ومسيرتها وحسابات الخسائر والمكاسب فيها، وعلى استحقاقات النصر و الهزيمة في الحرب. فمع ظهور تطبيقات الثورة الصناعية في مجال الحرب اعتبارا من منتصف القرن التاسع عشر بدأ يبرز تدريجيا مفهوم الحرب الشاملة لتوافر امكاناتها التقنية، وقد شهد النصف الاول من القرن العشرين اندلاع حربين عالميتين كونيتين وتحددت على قانون التسلح وموازين القوى في العالم، ثم ظهر اختراع السلاح النووي وغيره من اسلحة الدمار الشامل كي يشكل عاملا حاسما جديدا في تحديد موازين القوى هذه، وهو ما شكل ثورة ثانية على المستوى العسكري.
اثر التقدم التكنولوجي الهائل في بنية الثورات العسكرية على صعيد تنظيم القوات المسلحة نفسها وطبيعة الحرب ذاتها، خاصة منذ نهاية الحرب الباردة التي حكمت العلاقات الدولية لعقود من الزمن، ولعل من اهم النتائج المباشرة تمثل في الاولوية التي اعتمدت الاستراتيجيات الهجومية على حساب الدفاعية([xiii]).
ان الثورة التكنولوجية والتغييرات التي حققتها جعلت العصر الحالي مقدمة لعصر جديد مختلف عن العصور السابقة في افكاره ومبادئه وحتى في حروبه، فالثورة التكنولوجية عموما والثورة المعلوماتية التي تمثل اهم ميادينها غيرت من طبيعة الصراعات والحروب وابتكرت اساليب جديدة، فالتطور الكبير في صناعة المعلومات جعل الاعتماد على الانظمة الجديدة كالحاسب الآلي والشبكات العنكبوتية (الانترنيت) اساس ادارة امور الحياة المختلفة، لذا فان استخدام المعلومات كسلاح اصبح اكثر عمقا وعنفا واشد تأثيرا على المعلوماتية، ووفقا لما تقدم سوف تشن المعلوماتية من اجل السيطرة على المعطيات التفصيلية وموارد المعرفة وتسهيلاتها والتي من الممكن ان تشن اوتندلع في اي لحظة، وتقوم هذه الحروب على الافتراضات الاتية:
1.    ان الانتصار لا ياتي عن طريق التدمير المادي للعدو وانما من خلال تدمير عملياته التنظيمية من الداخل، واهمها تكمن في قدرته على تحليل المعلومات. والواقع ان هذا الافتراض يعكس الطبيعة التي يتسم بها نمط التفاعلات في عصر المعلومات، فالشبكة نادرا ما تتجسد في صورة مادية، واستخدامها يعتمد اكثر على تحليل الرموز المجردة دون ان يتم ذلك عبر وسيط مادي([xiv]).
2.    ان اطراف هذه الحروب المنتظرة منتشرون في مختلف انحاء العالم وجميعهم يتطلعون الى لحظة الانقظاظ على اية رقعه او وسيلة ممكنة في عالم المعلوماتية.
3.    فيما يتعلق بالتنظيمات العسكرية للجيوش يرى الباحثون ان الشكل الهرمي في القيادة العسكرية المبنية اساسا على مركزية القرار بدرجة او باخرى ستصبح شكلا طوليا افقيا للحصول على درجة اكبر من اللامركزية في القرار وشأنها في ذلك شأن تنظيمات الشركات في عالم الاعمال التجارية وغيرها المرتبطة بينها بواسطة شبكة المعلومات لتتمكن من مجاراة سرعة تنقل المعلومات من مكان لاخر ضمن هذه الشبكة، وستصبح التشكيلات العسكرية المتكاملة اشبه ما يكون بعقدة([xv]).
4.    ان حروب المستقبل يتوقف نجاح عملياتها العسكرية على المرتبطين في نظام المعلومات لتغذية اسلحته الذكية بالمعلومات حتى توجه ضرباتها الى الاهداف الاستراتيجية المحددة والتي تضمن نجاح العملية العسكرية.
5.    ان النصر والغلبة في هذه الحروب فيما لو اندلعت ستكون للدولة التي تمتلك القوة التكنولوجية القائمة على نظام متطور والذي يعتمد على الدول في عالم البرامج والحاسبات الالكترونية([xvi]).
ان كل ما تقدم يدل على ان الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي الحاصل سيما بعد انتهاء الحرب الباردة قد ادى الى حصول تغييرات جذرية واساسية في مفاهيم وادوات واساليب الصراعات والحروب، وبمعنى اخر ان هذا التقدم التكنولوجي المعلوماتي قد افرز وصاغ مفاهيم جديدة للحروب، كالحروب الموجهه وحروب الشبكة وحروب التجسس ..الخ، وسيتم محاولة التطرق لهذا الموضوع وبشكل موجز في المبحث القادم.

المبحث الثاني: الثورة المعلوماتية والحروب التكنولوجية
لا شك ان التقدم التكنولوجي قد ترك آثارا واضحة بل وغير من مفاهيم ومسلمات كانت سائدة في ميادين الحرب، وكان انعكاس هذا التقدم التكنولوجي يتجلى في تطور وسائل واساليب الحروب على مر العصور، ومن ثم افرز في الوقت الحاضر سيما بعد تقدم الثورة المعلوماتية انواعا جديدة من الحروب وهوما سيتم تبيانه في المطالب الآتية:

المطلب الاول: ابعاد الثورة التكنولوجية والمعلوماتية:
لقد قدم العلم الحديث وما رافقه من تكنولوجيا متطورة القدرة الهائلة على التدخل من خلال هذه التكنولوجيا سيما في جانبها العسكري، واصبح الجنس البشري في دائرة الخط الفعلي، الا ان الملاحظ انه في الفترات الفاصلة بين المعارك الحربية ينشط رجال العلم وبدعم من السياسيين وتحت دوافع متعددة لابتكار السلاح، وهذا الامر متفاعل على مر الازمنة، اذ ان وتيرته كانت بطيئة في القرون الماضية، ولكنها اليوم بدرجات كبيرة من السرعة، لذا يمكن القول ان الانسان استطاع وعلى مر الزمان من التكيف مع بيئته وتطوير اسلحته بما يناسب تلك البيئة([xvii]).
ففي العصور القديمة كانت ادوات الحرب بسيطة لا تتجاوز السيف والرمح وبعض الحيوانات كالخيل، الا ان اول تقدم تكنولوجي يمكن ان يشار اليه في ذلك الوقت هو اختراع العجلة والعربات مما سهل سرعة الحركة اثناء المعارك وغير من تكتيكات الخصم اثناء المعارك، اذ حرصت الامبراطوريات -وهي المدن القديمة- على جعل جيوشها تتالف من فرق فرسان وفيالق ومشاة ومجموعات البحارة بمختلف مهامهم ورتبهم([xviii]).
الا ان فرق الفرسان لم تعد لها تلك الاهمية التي حظيت بها في السابق بسبب ظهور اختراع جديد وهو البارود وتزويد الجيوش بالبنادق التي بدأت تستعمل بدل من الادوات القديمة كالسيف والرمح، اذ استعملت لشن الهجمات المفاجئة والمربكة للعدو والمعاضدة للمشاة، هذا فضلا عن اكتشاف المدفع وتطويرة على يد بعض العلماء امثال (جان دي مارتينز) الذي ابتكر طريقة جديدة لثقب سبطانات المدافع، جاعلا بذلك السبطانه اكثر قوة والقذيفة اكثر دقة بالنسبة الى المحيط المقذوف، وقد ادت هذه الابتكارات اضافة الى تحسين المواصلات الى الابتعاد عن الافكار التكتيكية التقليدية وخلق مبادئ تكتيكية جديدة كان لها دور بارز في الحروب التي جرت فيما بعد بين الدول والامبراطوريات سيما الاوربية([xix]).
وعلى صعيد الاسلحة البحرية والاساطيل والسفن فان القوة البخارية واكتشافها ادى الى تطوير وسائل الملاحة وبناء سفن كبيرة تستطيع الابحار بسهولة في اعالي البحار، هذا فضلا عن اكتشاف البوصلة والمنظار البحري مما ادى فيما بعد الى استخدام هذه الوسائل من قبل البحارة الاسبان والبرتغاليين والايطاليين في استكشافاتهم البحرية التي اوصلت كولومبوس الى العالم الجديد عام 1492([xx]).
كما احدثت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر تغييرات هائلة في ادارة الصراعات الدولية، فقبل ذلك كان السكان والارض الزراعية هما المصدر الاساس لقوة الدولة، الا ان الصناعة باتت هي المقياس لسطوة الدولة وعظمة شأنها، كما اعطت التقنية المتقدمة للمحرك البخاري والآلآت الصناعية اوربا ميزات اقتصادية وعسكرية حاسمة، فقد كان تقدم صناعة البنادق والمدفعية يمثلان ثورة في القوة النارية لم تترك اي فرصة للشعوب التي تعتمد على انواع قديمة من الاسلحة في ابداء مقاومة ذات شأن([xxi]).
والتطورات المهمة في مجال تقنيات الاسلحة بدأت بالتسارع مع مطلع القرن العشرين وذلك بعد اكتشاف الفحم والنفط كمصدر محرك للطاقة فظهر اختراع الدبابة عند الانكليز عام 1917، وبعد ذلك اكتشاف الطائرات واستخدامها كسلاح فعال في الحرب عام 1918، وكذلك اختراع الغواصات ودخولها كسلاح مؤثر في الحروب، فضلا عن استخدام اجهزة اللاسلكي وغيرها من الاختراعات التي كان لها التأثير الكبير على اساليب واستراتيجيات المعارك والحروب، سيما في الحرب العالمية الاولى، والتطور الاخطر على صعيد الانتاج التكنولوجي في القرن العشرين هو الاسلحة النووية والمفاعلات النووية التي تمتاز بقوتها القتالية التي يمكنها ابادة البشرية، والتي القيت على هيرو شيما اليابانية في 6 اغسطس عام 1945، وبعد ثلاثة ايام القيت قنبلة نووية اخرى على ناكازاكي، ادت الى استسلام الحكومة اليابانية وبعدها انتهاء الحرب العالمية الثانية([xxii])، لتبدأ حقبة جديدة تقوم على اساس توازن القوى والتنافس بين القطبين الدوليين العظيمين، الا ان تفكك الاتحاد السوفيتي كقطب منافس في تسعينات القرن الماضي وتزامن ذلك مع حصول طفرة كمية ونوعية سيما في مجال تكنولوجيا المعلومات التي من خلالها تمكن الانسان من تجاوز حدوده القومية باستخدام ادوات هذه الثورة من الحاسبات الالكترونية والمنظومات والشبكات ووسائل الاتصال، ولعل اهم مبتكرات ثورة المعلومات هو الانترنيت، مما ادى الى ربط هذه الثورة بمفاهيم الحروب الجديدة التي تصاغ وتنظم ويخطط لها وتنفذ من خلال هذه التقنيات، فاصبح بامكان الدولة المالكة لهذه التكنولوجيا ادارة حرب كاملة من دولة تبعد الاف الكيلومترات ضد دولة اخرى من خلال غرفة عمليات يمكن للانسان التحكم من خلالها بكل مجريات المعارك واطلاق الصواريخ وتحريك القطعات وكما حصل في حرب العراق عام 2003([xxiii]).
وكل ما تقدم يدل على ان الثورة التكنولوجية على مر العصور قد رافقت الابتكارات التكنولوجية، سيما في مجال الاسلحة وادوات الحرب لتبدأ من الاسلحة البدائية الى ما نلاحظة اليوم من تطور تكنولوجي.

المطلب الثاني: الثورة المعلوماتية وانواع الحروب الحديثة والمستقبلية:
ان الثورة المعلوماتية قد غيرت من طبيعة الصراعات والحروب، وابتكرت اساليب جديدة وهي مفاهيم بحاجة الى تقييم وصياغة، ومنها الحروب الموجهة وحرب الشبكة والحرب التجسسية والحرب الفضائية والحرب الاعلامية، وهو ما سيتم التطرق اليه بشكل موجز وكما ياتي:
اولا: الحروب الموجهة:
هذا النوع من الحرب يستند الى المعلوماتية ويرى انه يكفي لقهر الخصم ان يتم النجاح باستخدام هياكل القيادة لديه ووسائل الاتصال والمؤسسات الفكرية، وتستند هذه الحرب على القنابل الذكية التي استخدمت في حرب الخليج الثانية عام 1991، وقنابل الغرانيت القادرة على تصفير دوائر المراكز الكهربائية والتي استخدمت اخيرا ضد الصرب في حرب كوسوفو، وكذلك القنابل التي استخدمت في الحرب الامريكية على العراق عام 2003، اذ انه في حالة الصراع تصبح المعارك هدفا للمواجهة وليس فقط ما يتيح الهجوم او الصدام في الظرف الملائم([xxiv]).
وكان اخر تطبيق عملي لهذه الحرب في العراق عام 2003 من خلال اعتماد الولايات المتحدة على استراتيجية (الصدمة والترويع)، التي تقوم على قدرة تكنولوجية متطورة ومنظومات تسليحية متكاملة وقادرة على تطبيق التأثير المستهدف من اجل التأثير في ارادة الخصم وادراكه، وتتطلب هذه الاستراتيجية عدة عناصر لنجاحها، هي المعرفة الكاملة بالذات والخصم والبيئة، ويشمل ذلك معرفة كاملة بالعمليات الذهنية والمنظومات التقنية لقادة الخصم وجماهيره والسرعة في جميع مراحل العمل العسكري سواء في المناورات او التحركات داخل الميدان وضمان السيطرة على العمليات سواء على الارض او في مجال الاشارات اللاسلكية والبنية الاساسية للاتصالات بما يضطر الخصم الى الاستسلام خوفا من تعرضه لدمار واسع([xxv]).
اي ان الحرب الموجهة تستخدم اكثر الاسلحة ذكاءا وتتطلب وجود قوات ووحدات صغيرة ومترابطة لكي تتمكن من تنسيق هجماتها بشكل متكرر، ومن ابرز الدول التي تمتلك هذه القوات هي الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وبريطانيا.
ثانيا: حرب الشبكة:
وهو شكل جديد من اشكال الحروب التي تمكن من التأثير على نشاطات واعمال الخصم وخصوصا اذا كان مجتمع الخصم متطورا ويعتمد بدرجة كبيرة على وسائل المواصلات والاتصالات، اما اذا كان الخصم اقل تطورا في اعتماده التقنيات الحديثة فان اساليب حرب الشبكة كالفعاليات التقنية والتشويش لن يكون مؤثرا بالدرجة المطلوبة، ومن ثم سيتم الاعتماد على الاسلحة التقليدية المعروفة والتي تعتمد على الدقة في الاصابة والسرعة في الاستجابة، لذا فان حرب الشبكة موجهة بشكل اساس نحو تحجيم العدو، ومن ثم هي تختلف عن الحرب الموجهة التي تكون نحو قدرة العدو العسكرية([xxvi]).
ثالثا: الحرب التجسسية:
ان التقدم التقني اصبح واحد من اهم مفاتيح المستقبل وعامل حاسم للسيطرة في النظام العالمي الجديد، لذا صارت المنافسة شديدة في الميدان التكنولوجي والسياسي والاستراتيجي، لان من سيحصل على التكنولوجيا فانه سيسيطر في المجالات الاخرى([xxvii])، لذا يرى بان جزء كبير من الاتصالات العالمية تسيطر عليها اجهزة الامن والاجهزة المخابراتية، اذ ان هذه الاجهزة تراقب كل شيء تقريبا وينتشر وكلاء متخصصون في كل بلدان العالم مدعومون باقمار صناعية تجسسية لجمع المعلومات والعمل مع الالاف من الاذاعات والقنوات، وكل ذلك يتجه لهدف واحد الا وهو التجسس على العالم، فالوكالات الامنية تنتشر في كل بلدان العالم وتسعى وتتنافس وبكل الطرق للحصول على المعلومات، مستخدمة كل الوسائل المتاحة بعملية تصارع اشبه بالحرب ذاتها، من هنا انطلقت حرب التجسس هذه، فالدول تسعى لانفاق ثروتها على قواعدها التنصتية ونصب وسائل ذات تقنية عالية الكفائة للتجسس على العالم.
فالتدفق الخارق للمعلومات يحول اولا من قبل قواعد المعلومات السرية التي تنصتت على اقمار الاتصالات، وتضع الولايات المتحدة الامريكية خمسين محطة من هذا النوع في عشرين دولة ومن المحطات الرئيسة الاكثر اهمية هي في انكلترا ونيوزلندا واليابان والمانيا واستراليا، هذه القواعد ذات تأثير مرعب اذ انها تتجسس على الاقمار بطريقتين اما بالحصر للحزمة او باستلام ترددات اقمار الاتصالات الموضوعة قرب اقمار الاتصال وتبدل اتجاه حركة سيره([xxviii]).
ومن هنا اصبح لهذه الحرب الدرجة الاكثر خطورة اذ ان هذه الحرب رغم انتقادها الا انها تعمل في الكواليس، اذ تجمع كافة المعلومات والبيانات عن العالم وعن السياسيين والدبلوماسيين.
رابعا: الحرب النفسية والاعلامية:
تعد الحرب النفسية احدث اسلحة الحرب الحديثة التي توجه ضد الفكر والعقيدة والتقاليد والشجاعة والثقة وصناعة القرار، وضد الرغبة في القتال، وهي حرب دفاعية وهجومية، لانها تحاول بناء معنويات الشعب والمقاتلين بينما تحطم معنويات العدو في الوقت نفسه باستخدام كل وسائل التشويه وتحطيم الصور المثالية في تفكير الناس، وهي جزء من الحرب الشاملة لانها تشن قبل الحرب وفي اثنائها وفي اعقابها، ذلك لان العلوم السايكولوجية والوسائل التكنولوجية المعاصرة قد سرعت كثيرا في تطوير وسائل هذه الحرب وادواتها.
ولقد وجد في الحروب قريبة المدى فعل الحرب النفسية من خلال الوسائل الاعلامية المتطورة، ولما تزل تفعل فعلها وخصوصا عندما تغدو الحرب الاعلامية مؤثرة بشكل مباشر في استمرار الحرب ووضع نهاياتها على حساب من لم يمتلك الاعلام المضاد بالقوة التكنولوجية نفسها وبالعلوم السايكولوجية نفسها([xxix]).
خامسا: الحرب الفضائية:
منذ عام 1983 سعت الولايات المتحدة الامريكية لتطوير برنامج حرب النجوم او منظومة الدفاع الاستراتيجي وامتلاك القدرة المطلقة على صد اي هجوم صاروخي، ومنذ ذلك الوقت طور الفضاء العمليات العسكرية الارضية في مجال المراقبة والاتصالات والملاحة والرصد الجوي بحيث عمقت التكنولوجيا مفهوما جديدا يخص الميدان والجبهة على كل الابعاد يدعى بالجبهة متعددة الابعاد([xxx]).
ان ظهور ما سمي بحرب النجوم التي ماهي الا حرب اوسع تتضمن فقط البدء بوضع اسلحة في مدارات حول الارض تمكنها من تدمير القاذفات الاستراتيجية والصواريخ النووية خلال ثوان معدودة من اطلاقها، ومثل هذا الاحتمال اذا ما قدر له ان يتحول الى حقيقة فانه سيغير مشهد الحرب عامه، فتفتقد الصواريخ العابرة للقارات فاعليتها وجدواها وبذلك نكون قد انتقلنا الى مرحلة من الاسلحة الاستراتيجية مصممة لتدمير المجتماعات، اسلحة قادرة على تدمير اسلحة الدمار الشامل([xxxi]).
لكن انتهاء الحرب الباردة قاد الى تراجع اهمية هذا المشروع للمؤسسة العسكرية – الصناعية الامريكية، الا انه سرعان ما ان تصاعد وتيرة العودة للحديث عن هذا المشروع والبدء في عملية تطويره، الا ان الكتمان الذي يحيط بالابحاث الفضائية والمبالغ الضخمة التي تنفق على غزو الفضاء كافية لتثبت ان الامر ليس بحثا علميا خالصا لمنفعة الانسانية.

المطلب الثالث: سياسة المعرفة:
يرى المفكرون الاستراتيجيون ان الثورة المعلوماتية مثلما احدثت ثورة في الجانب الاقتصادي وفي الجانب العسكري، فانها يجب ان يرافقها ثورة في الجانب السياسي، وبهذا الصدد يذكر الفن توفلر في كتابة (سياسة الموجة الثالثة) بالقول (نحن لم نعد نكتفي بمراكمة اضافية للوقائع انما نحن الان في الطريق الى اعادة تنظيم انتاج المعرفة وتوزيعها، وهذا يعني اننا ننشئ شبكات جديدة للمعلومات ونصل المفاهيم بعضها ببعض ونبني تراتب استنتاجات وننضج نظريات جديدة، فالمشاريع والدول والاشخاص يجمعون ويحفظون اليوم من الوقائع الخام اكثر بكثير من اي جيل عرفه التاريخ)([xxxii]).
وما سبق ذكره من كلام لتوفلر يؤكد حقيقة مفادها انه ليس هناك حل للمشاكل من جانب واحد فقط، وان المعرفة تتطلب التنسيق بين جميع المجالات والاختصاصات لتعظيم الفوائد على المجتمع الانساني، لذا طرحت مسألة ضرورة حصول ثورة في مجال الدبلوماسية، فالدبلوماسية العصرية التي طبقت في (كوسوفو) هي دبلوماسية خاطئة، فمن اجل الحصول على تنازلات وتعهدات سياسية يرون انه يجب ان يرافقها اسلوب دبلوماسي، ولهذا يطرحون ممارسة المعرفة وانها حرب تقاد لحماية الحقوق والدفاع عن بعض الجماعات، اما ذات الهوية الثقافية او الاصول العرقية المعينة او الطوائف المعينة والتي يبقى فيها مسألة اللجوء الى القوة في الترتيب الاخير، اذ انه من الضروري جذب الاطراف عبر المعلومات والمعرفة المتدفقه لديهم، والصراع يكون على هذا الاساس بين الاطراف المتصارعة من اجل حفظ ما يريدونه من اجل حل الصراعات([xxxiii]).
وما تقدم ذكره في هذا المبحث من استعراض للحروب التي من الممكن ان تندلع في المستقبل، وما عكسته الثورة المعلوماتية على الحروب والصراعات وادواتها ونتائجها، ومن ضرورة انعكاس ذلك ايضا على الجانب الدبلوماسي للدول، نصل الى ان المعلوماتية هي الوسيلة المركزية للتدمير كما انها الوسيلة الاساسية للانتاجية، كما ان النتائج التي حققتها الحرب الموجهة او حرب الشبكة وغيرها في الحقيقة لا تؤدي النتائج المرجوة بل نتائج مأساوية تثير الرأي العام تجاهها او اتجاه من يستخدمها، وهذا ما سوف يتم ملاحظته من خلال دراسة حالة حرب العراق عام 2003 في المبحث القادم.  
   
المبحث الثالث: دراسة حالة الحرب الامريكية على العراق عام 2003
تعد الحرب التي شنت على العراق عام 2003 طورا انتقاليا بين حروب الثورة الصناعية وحروب المعلومات، لذا في هذا المبحث سيتم تناول الطروحات الفكرية الممهدة للحرب والعقائد العسكرية والمعلوماتية التي استخدمت اثناء المعارك، ثم تحول الحرب الى حرب عصابات ثم نتائج الاحتلال ومدى تحقق اهدافه وكما ياتي:

المطلب الاول: الطروحات الفكرية الممهده للحرب:
تقوم السياسة الخارجية الامريكية عموما على الفلسفة الذرائعية التي تعني ان الفكرة يمكن استخدامها بصورة عملية كواسطة او وسيلة للعمل لخدمة الحياة، لذا كان كل تحرك يتم في ضوء الايديولوجية والفلسفه التي تتبناها الولايات المتحدة في كل مرحلة([xxxiv])، فبعد الحرب الباردة بدأ الترويج لافكار المفكر الامريكي (فوكوياما) الذي يرى بانه من المحتمل الا يكون ما نشهده اليوم مجرد نهاية للحرب الباردة او لمرحلة ما بعد الحرب، بل هو يرجع للتاريخ ذاته، بمعنى ان التطور الايديولوجي للبشرية قد ادرك ذروته التي تتمثل في عولمة الديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الشكل الراقي والنهائي لانظمة الحكم الانساني، وان التطور البشري هو نتاج صراع بين الافكار والايديولوجيات واشكال التنظيم الاجتماعي، وكل عنصر من هذه المكونات يخوض صراعا من اجل فرض وجوده([xxxv])، اي الترويج للنموذج الامريكي في قيادة العالم، لكن هذه الافكار لم توائم توجهات واستراتيجيات الولايات المتحدة الكونية وعملها على تكريس الهيمنة، لذا ظهرت طروحات اخرى اكثر تكريسا لفكرة الصراع والمتمثلة بطروحات (صموئيل هنتنغتون) في كتابه صدام الحضارات والذي طرح فيه فكرة تحول الصراع الى تصارع بين الاديان والثقافات العالمية الرئيسة، وخصوصا بين المسيحية والاسلام، اذ يذكر (ان صراع القرن العشرين بين الليبرالين والديمقراطيين والماركسيين ظاهرة زائلة مقارنة بالعلاقة التصارعية العميقة والمستمرة بين الاسلام والمسيحية)([xxxvi]).
وتلى هذه الافكار والطروح العديد من الطروحات التي تسير ضمن الاطار العام الذي يكرس حالة الصراع والتدخل العسكري المباشر من قبل الولايات المتحدة في اي دولة تعارض توجهاتها وتحت مسميات عديدة، ابتداءا من توظيف حقوق الانسان ومبدأ التدخل الانساني وانتهاءا بالحرب على الارهاب، فبعد انتهاء الحرب الباردة عملت الولايات المتحدة على تقنين وشرعنة استخدام القوة العسكرية لحماية حقوق الانسان وذلك من خلال اعتبار انتهاك حقوق الانسان يمثل تهديدا للسلم والامن الدوليين مما يتيح لمجلس الامن استخدام البند السابع واجازة استخدام القوة، وقد جاء اول تطبيق فعلي لهذا المبدأ عام 1991 المتمثل باصدار القرار رقم (688) ضد العراق والذي تناول قضية قمع الاكراد المدنيين في شمال العراق، وقد تزامنت هذه الطروحات مع طروحات اخرى جديدة والمتمثلة باعتبار كل من العراق وايران وكوريا انها تمثل محور الشر، لان لديها طموحات لانتاج اسلحة دمار شامل تهدد الامن القومي الامريكي والامن العالمي([xxxvii])، والتوظيف الاخير جاء بعد احداث 11/ايلول عام 2001 بعد احداث برجي التجارة العالميين، مما حفز الادارة الامريكية الى محاولة صياغة مبدأ جديد لمواجهة عالم ما بعد الحرب الباردة – تحت منظورات المحافظين الجدد- لتسعى الولايات المتحدة لوضع استراتيجية تنظم من خلالها العالم وفق قيمها الامبراطورية، وقد القى حينها (ريتشارد هاس) مدير مكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الامريكية خطابا في نيسان 2002 اشار فيه الى ان (حقبة ما بعد الحرب الباردة شكلت تحديا جديدا فوق القومية ولم تعد الاستراتيجيات التقليدية- استراتيجيات الدفاع والاحتواء والردع- كافية بعد الان، واقترح مبدأ الادماج، اي ادماج بلدان ومنظمات اخرى التي ستدعم عالما يتسق مع المصالح والقيم الامريكية)([xxxviii]).
وفي هذه الاحيان برزت محاولات امريكية لزج اسم العراق في احداث 11/ايلول والايحاء بعلاقة ما له بالمجموعات التي نفذت الهجمات فيها، وذلك لرغبة امريكية في توجيه ضربات موجعه له اشد ايلاما بعد فشل حربي عام 1991 و1998 عليه، والحصار الاقتصادي في اسقاط نظامه او في شل قدرته على تهديد مصالحها او مصالح الدولة الصهيونية([xxxix]).

المطلب الثاني: الحرب الاستباقية على العراق
تعد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق طورا انتقاليا بين حروب الثورة الصناعية وحروب المعلومات نتيجة استخدام ما يزيد على (3000) حاسب متصل بحاسبات اخرى في الولايات المتحدة، وهناك من اعتبر هذه الحرب بانها حرب مزدوجه الاساليب نتيجة لما شاع من ان الاستخبارات المركزية الامريكية قد تمكنت من الشبكة اللاسلكية للجيش العراقي.
ان الادارة الامريكية حين تاكدت وبمصادرها المخابراتية –حسب ما تزعم- بامتلاك العراق اسلحة دمار شامل قامت بابلاغ العالم بشن الحرب خلال خطاب الرئيس الامريكي جورج بوش الذي تحدث في يوم 8/ شباط 2003 بقوله (ان لدينا مصادر تخبرنا بان صدام حسين قد اصدر اوامره مؤخرا الى قادة الميدان العراقيين تخولهم سلطة استخدام الاسلحة الكيميائية، الاسلحة نفسها التي يقول لنا الطاغية انه لا يمتلكها)([xl])، وفي يوم 20 اذار قال وزير الدفاع  دونالد رامسفيلد اثناء بدء الحرب، بشان البحث عن اسلحة الدمار الشامل (اننا نعرف اين هي لانها في المنطقة حول تكريت وبغداد والى الشرق والغرب والجنوب والشمال بعض الشيء)([xli]).
وكل هذه الخطابات والتقارير قد كشف زيفها باعتراف الرئيس الامريكي جورج بوش قبل انتهاء ولايته الثانية بقوله ان هذه التقارير كانت غير صحيحة، وسيتم تقسيم هذه الحرب على نقطتين:

الاولى: التطورات العسكرية من 19/3/ الى 9/4 2003:
في 19/3/ 2003 بدأت الحرب على اساس امتلاك العراق لاسلحة دمار شامل، اذ استخدمت الولايات المتحدة في عملياتها العسكرية القنابل العنقودية المحظورة قانونيا، كما اسرف في استخدام قذائف اليورانيوم المنضب والتي يبقى اثرها المدمر على اشكال الحياة كافة عهودا طويلة، هذا الى جانب مدافع فلانكس وصواريخ التوماهوك ودبابات تشالنجر مما دفع البعض الى القول بان الحرب على العراق عام 2003 اصبحت نموذجا لحروب المستقبل ليس لانها اعنف الحروب واكثرها خروجا على المألوف وقواعد الحروب واستخدام الاسلحة والتقنيات الاكثر تطورا، وليس لانها اولى الحروب المعلوماتية الافتراضية باعتبراها وظفت المعلومات، بل لانها عدت خروجا على مبدأ مهم في القوات المسلحة الامريكية وهو الحصول على اكبر مكسب باقل خسائر ممكنة([xlii]).
وفي هذا السياق كان التركيز الرئيس لقوات التحالف الامريكي البريطاني ينصب على محاولة حسم المواجهة العسكرية في اقصر فترة زمنية وباقل تكلفة ممكنة، فبدأت المرحلة الافتتاحية بعملية مفاجئة تمثلت بقصف جوي وصاروخي محدود تركز على اهداف من داخل العاصمة العراقية بغداد في 20/3/2003، واطلق خلالها قنابل خارقة للتحصينات وذلك ظنا بوجود رئيس النظام السابق في احدها، وعقب ذلك بدأ الهجوم البري الذي ركز على محاولة الوصول الى بغداد من جميع الاتجاهات مخترقة المدن الرئيسة دون التوقف فيها، اعتقادا منها انه لن تكون هناك مقاومة تذكر في تلك المدن، غير ان تطورات المواجهات البرية فرضت ايقاعا مختلاف للغاية عن الخطط العسكرية الموضوعة بسبب المقاومة، كما اتجهت القوات الامريكية الى تكثيف عمليات القصف الجوي والصاروخي بهدف توجيه ضربات عنيفة لمراكز القيادة والسيطرة والاتصالات ومنشئآت البنية الاستراتيجية العسكرية، مع التركيز بصفة خاصة على محاولة تدمير فرق الحرس الجمهوري الست المتمركزة داخل بغداد وحولها.
وفي الاتجاهات الاخرى اقتصرت العمليات العسكرية في الاتجاه الشمالي على تنفيذ عمليات لقوات خاصة محدودة لا تزيد عن الف فرد منها شاركوا بعد ذلك في الهجمات التي قامت بها القوات الكردية على القوات العراقية في تلك الانحاء.
اما في الاتجاه الغربي فقد ركزت قوات التحالف على السيطرة بسرعة على تلك المنطقة حتى لا تكون منطلقا لهجمات صاروخية عراقية ضد اسرائيل، وقد اشارت التقارير الى ان قوات خاصة بريطانية وامريكية واسترالية خاضت معارك ضد القوات العراقية في صحراء العراق الغربية للسيطرة على قاعدتين جويتين استراتيجيتين هما (اتش 2، واتش 3) اذا تقعان على مقربة من الحدود العراقية الاردنية([xliii]).
وخلال مدة العمليات العسكرية التي بدأت في 19/3/ 2003 وحتى 9/4/2003، لم تستطع الاستراتيجية الامريكية الاولى من تحقيق اهدافها( اي استراتيجية الصدمة والترويع )، وذلك بسبب ما واجهته القوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة من مقاومة غير متوقعة مما ادى الى اعادة صياغة الخطط العسكرية الامريكية وهو ما سيتم توضيحة في النقطة الاتية.

الثانية: النتائج العسكرية على ارض المعركة:
بالرغم من التفوق الواضح في ميزان القوة بين القوة العراقية وقوات التحالف الى ان النتائج على ارض الواقع كانت على العكس مما رسم لها من قبل الولايات المتحدة، اذ ان المقاومة جعلت من الصعب على قوات التحالف ان تتجاوز المدن والقطعات العسكرية الموجودة في الطريق الى بغداد سواء لانها تمثل حجر عثرة امام تقدم تلك القوات، او لانها يمكن ان تتحول الى جيوب مقاومة لاستنزاف قوات التحالف، وفي الوقت نفسه تأثرت العمليات العسكرية لقوات التحالف بالعواصف الرملية التي وقعت خلال يومي 24 و25 آذار مما تسبب بابطاء تقدم القوات الامريكية، وفي ضوء هذه التطورات عدلت القوات الامريكية استراتيجيتها العسكرية واتجهت نحو تكثيف القصف الجوي بهدف توجيه ضربات عنيفة وقوية لمراكز القيادة والسيطرة، وبالرغم من اعتراف كبار المسؤولين العسكريين الامريكيين انفسهم بان هذه الضربات لم تحقق الاثر المستهدف بالكامل فانهم ظلوا يرددون ان القيادة العراقية بدأت تفقد السيطرة على الامور ويفلت تدريجيا الموقف من بين يديها كلما اقتربت القوات الامريكية من بغداد([xliv]).
وبالرغم من ان الحرب حققت نتائج متفاوتة الا ان قوات التحالف نجحت في التقدم مسافات كبيرة نسبيا داخل الاراضي العراقية، لكنها اخفقت مع ذلك في تحقيق اهدافها الرئيسة من الحرب، سواء على صعيد العجز عن انهاء الحرب بسرعة او على صعيد الفشل في توجيه ضربات قاصمة للقيادة العراقية، لكن بالرغم من ذلك استطاعت التكنولوجيا المتقدمة والتفوق التقني الذي تمتلكه قوات التحالف توجيه ضربات جوية وصاروخية قد ادت الى تحطيم العمود الفقري للقيادة العراقية، كما انها دفعت بعض القوات نحو الاستسلام او على الاقل عدم القتال.
وتجدر الاشارة الى انه عندما تحولت الاستراتيجية الامريكية نحو عمليات القصف الجوي الصاروخي المكثفة فان تطورات القتال الفعلي اثبتت ان حربا مثل الحرب الامريكية البريطانية على العراق لا يمكن كسبها عن طريق الهجوم الجوي فقط.

المطلب الثالث: التحول من الحرب النظامية الى حرب العصابات:
بدأ يمكن القول ان حرب العصابات تخاض بلا خطوط واضحة تفصل بين القوات، والهدف منها هو تجنب مواجهة العدو وجها لوجه، وانما التحرش به وتكبيده خسائر لا يستطيع تحملها، وفيها تجد الجيوش صعوبة بمواجهتها لانها تواجه قوات غير نظامية تعمل وسط الجماعات السكانية([xlv])، وتعمل مجموعات حرب العصابات عموما على تنظيم أنشطتها من خلال سبعة مجالات هي: الإعداد والاتصال الأولي وتسلل، والتنظيم، والتراكم، ومكافحة العمالة، والتسريح([xlvi]).
وقد كانت هذه الاستراتيجية مرسوم لها قبل بدأ العمليات العسكرية اصلا، فقد عمل النظام العراقي السابق على الاستعداد لها، اذ عمل على ادارة الازمة قبل الحرب لتجنبها عبر كسب الوقت، وقد ركزت العمليات العسكرية على الحفاظ على تماسك النظام واجهزتة الاساسية وكسب الوقت سعيا الى خلق موقف دولي اكثر تعقيدا واشد ضغطا على الولايات المتحدة، واعتمدت القيادة العسكرية العراقية تنظيما دفاعيا تقليديا قديما وهو استراتيجية الدفاع الثابت داخل المدن مع الدفع بميلشيات ومجموعات عسكرية وشبه عسكرية صغيرة للقيام بما يشبه حرب العصابات لارباك القوات المهاجمة ومحاولة استنزافها، وتم تخصيص قوات مدربة للقيام بهذا الدور من ميليشيات ما يسمى بـ(فدائيي صدام)، كذلك افراد من حزب البعث البائد، فضلا عن عناصر الحرس الجمهوري والحرس الخاص لتتخذ اوضاع قتال مناسبة للسيطرة على المدن العراقية من الداخل ومحاولة الامساك ببعض مداخلها مع حفر خنادق وملئها بالنفط الخام واشعالها والتوسع في وضع الالغام المضادة للدبابات والشراك الخداعية، واستهدف هذا التنظيم الدفاعي منع سقوط المدن الرئيسة في جنوب العراق وتعطيل القوات المهاجمة قدر الامكان لكسب اطول وقت ممكن([xlvii]).
وبعد انتهاء العمليات العسكرية ظن الامريكان ان الامور اصبحت تحت السيطرة الكاملة للجيش الامريكي وخاصة بعد قرار الحاكم المدني (بول برايمر) بحل الجيش العراقي، الا ان ما حصل على ارض الواقع مغاير تماما اذ بدأت عمليات المقاومة ضد القوات المحتله منذ الايام الاولى للاحتلال، وبدأت وتيرتها بالتصاعد يوما بعد آخر، وقد عمدت سلطات الاحتلال الى الاحتفاظ بسرية العدد الحقيقي للذين قتلوا من القوات النظامية ومن المرتزقة، ذلك لان الخسائر البشرية في صفوفه لا تعلن([xlviii]).
وبالرغم من انطلاق شرارة المقاومة من مدينة الفلوجة واقتصار هذه العمليات على المناطق الغربية في البدء، الا انه سرعان ما انتشرت عمليات المقاومة لتمتد الى وسط العراق وجنوبه ضد القوات متعددة الجنسيات المتحالفة مع الولايات المتحدة، وكانت هذه الفصائل تستخدم الاسلحة التقليدية من عبوات ناسفة والغام اغلبها من اعتدت واسلحة الجيش العراقي السابق من خلال نصب الكمائن للارتال العسكرية ومفاجئتها وضربها، اي استخدام استراتيجية استنزاف طويلة الامد، الامر الذي عجزت التكنولوجيا والتقنية التي يمتلكها الجيش الاول في العالم من مواجهتها او التعامل معها، اذ كانت من اهم التكتيكات التي اتبعتها المقاومة العراقية هي المتفجرات التي تزرع على جانب الطريق، وقد فشلت محاولت البنتاغون للقضاء على هذا النوع من المقاومة اذ اضطر للاستعانة بجنرال متقاعد مع فريق عمل متخصص وخصص لهم مبلغ (3،2) مليار دولار لمحاولة معالجة هذه العمليات من خلال قتل المجال الكهرومغناطيسي بين جهاز (IED)، -اي اجهزة التفجير المرتجلة في العربات العسكرية- وبين العبوة الناسفة، الا ان المقاومة العراقية استطاعة التغلب على التقدم التكنولوجي والتقني هذا من خلال استخدام وسائل بدائية جدا كالطين والعجين او بقايا الاطارات لتحييد عمل هذا الجهاز([xlix]).
ومن اهم النتائج التي افرزتها هذه العمليات وفقا للارقام الامريكية سقوط اكثر من (4000) قتيل من الجنود الامريكان (95%) منهم من المارينز، فضلا عن (375) قتيل من الجنود البريطانيين وبقية الدول الحلفاء، وما يزيد عن (40000) جريح، وانتحار (175) جنديا وضابطا امريكيا وهروب حوالي (5000) منهم من الخدمة، فضلا عن اكثر من (1000) من مرتزقة شركات الامن الخاص والمقاولين([l])، هذا فضلا عن  الآثار الاقتصادية المترتبة على هذه الحرب التي اشارت التوقعات الى ان تصل نفقاتها حتى عام 2017 بين (1200 الى 1700) مليار دولار، فاذا بها تصل الى (3000) مليار دولار في العراق([li]).

ويمكن اعتبار ان اهم النتائج او الآثار التي ترتبت على المقاومة العراقية للاحتلال هو توقيع اتفاقية الانسحاب الامريكي من العراق نهاية عام 2011.

الخاتمة
من خلال ما تقدم اتضح  ان المعلوماتية بخصائصها وابعادها اصبح لها دور مميز في الوقت المعاصر من خلال التطور الهائل واختصار مفاهيم الزمان والمكان، فضلا عن انها سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه كسلاح تقاني وثقافي من قبل الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا تجاه الدول القليلة الخبرة المتخلفه في هذا المجال، لكن في الوقت نفسه تستطيع هذه الدول (اي المتخلفه) من اختراق هذا السلاح وتوجيهه ضد الدول المتقدمة، وليس الدول فقط وانما الافراد كما حصل في حادثة تسريب مؤسس موقع ويكيليكس (جوليان أسانج) لما يقرب من 76.000 تقرير سري والذي يعد اختراقاً واضحاً للوزارة الدفاع الامريكية.
كما وتبين ان الحروب المعلوماتية هي استخدام نظم المعلومات لاستغلال وتخريب وتدمير وتعطيل معلومات الخصم وعملياته المبنية على المعلومات ونظم معلوماته وشبكات الحاسوب الخاصة به، وكذلك حماية ما يوجد من كل ذلك من هجوم الخصم لإحراز السبق، والتقدم على نظمه العسكرية والاقتصادية.
وقد انعكس التطور التكنلوجي و سيما في مجال المعلوماتية على الحروب باستراتيجياتها وتقنياتها وعقائدها واسسها التقليديه لتظهر لنا انواع واشكال جديدة من الحروب تعتمد بشكل رئيس على المعلوماتيه في ادارتها وحسم نتائجها، فضلا عن امكانية ظهور وتشكل حروب مستقبلية تختلف في جميع مضامينها عما نشاهده اليوم وبالاعتماد على المعلوماتية.
ويمكن القول ان المعلوماتية هي الوسيلة المركزية للتدمير كما انها الوسيلة الاساسية للانتاجية، و ان النتائج التي حققتها الحرب الموجهة او حرب الشبكة وغيرها في الحقيقة لا تؤدي النتائج المرجوة بل نتائج مأساوية تثير الرأي العام تجاهها او اتجاه من يستخدمها، وما الحرب الامريكية على العراق عام 2003، وما تم استخدامه من تكنلوجيا متطورة وعمليات معلوماتية في ادارة الحرب بكل تفاصيلها الا مصداق لهذه النتائج، كما ان العنصر البشري اثبت انه الاساس رغم كل هذه التطورات اذ استطاعت مجموعات صغيرة من المقاومين وبطرق تقليديه من اتباع اسلوب حرب العصابات والاستنزاف من الحاق خسائر جسيمة بالاحتلال اضطرته في نهاية الامر الى الانسحاب رغم ما يمتلكة من تطور تكنلوجي ومعلوماتي هائل.
م.د رياض مهدي عبد الكاظم و م.م الاء طالب خلف/ مجلة واسط للعلوم الانسانية/ المجلد 11/ العدد29 /2015/ ص181 الى ص212

[i] - اسامة الخولي، تكنولوجيا المعلومات ما بين التهوين والتهويل، في مجموعة باحثين، العرب وثورة المعلومات، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 2005، ص11.
[ii] - طاهر تركي، المعلوماتية المفهوم العلمي والعمليات المتخصصة، سلسلة مفاهيم، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، القاهرة، العدد 6، 2005، ص8.
[iii] - ولتر رستون، افول السيادة-كيف تحول ثورة المعلومات عالمنا-، ترجمة سمير عزت نصار و جوزيف خوري، دار النسر للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 1995، ص65.
[iv] - عماد الصباغ، نظم المعلومات واهميتها ومكوناتها، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2000، ص12.
[v] - احمد انور بدر، مقدمة في تكنولوجيا المعلومات واساسيات استرجاع المعلومات، دار الثقافة العلمية، القاهرة، ط1، 2003، ص17.
[vi] - جمال محمد غيطاس، أمن المعلومات والأمن القومي، دار النهضة للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2007، ص22.
[vii] - طاهر تركي، المعلوماتية المفهوم العلمي والعمليات المتخصصة، مصدر سبق ذكره، ص9.
[viii] - شيماء القرغولي، المعلوماتية والحروب الحديثة، مجلة الملتقى الالكترونية، مؤسسة آفاق للدراسات والابحاث العراقية، العدد 5، 2007، على الموقع الاتي: www.afaqiraq.org  
[ix] - جهاد ملحم، العلم والحرب، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الكويت، العدد 36، 2007، ص241.
[x] - نقلا عن، ناصر الدين سعيدوني، مفهوم الحرب في عصر النهضة الاوربية، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الكويت، العدد 36، 2007، ص147.
[xi] - الفن وهايدي توفلر، الحرب والحرب المضادة-الحفاظ على الحياة في القرن المقبل-، تعريب صلاح عبد الله، الدار الجماهيرية للدراسة والنشر والتوزيع، ليبيا، 1995، ص38.
[xii] - احمد ابراهيم محمود، حرب الخليج الثالثة-الاستراتيجية العسكرية ودلالات الصمود العراقي-، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 152، 2003، ص54.
[xiii] - سيار الجميل، الحرب ظاهرة تاريخية-مدخل من اجل فهم سوسيولوجي، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الكويت، العدد 36، 2007، ص12.
[xiv] - علاء الدين مكي خماس، حرب المعلومات اضافة جديدة لفن الحرب في القرن الحادي والعشرين، مجلة العهد، العدد 9، بغداد، 2001، ص3.
[xv] - مراد ابراهيم الدسوقي، حرب المعلومات-اثر التطور التكنولوجي على تداول المعلومات في الحرب المعلوماتية-، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 123، 1996، ص81.
[xvi] - عبد التواب شرف الدين، دراسات في المعلومات، الدار الدولية للاستثمار، ط1، مصر، 2000، ص27.
[xvii] - ناصر الدين سعيدوني، مصدر سبق ذكره، ص168.
[xviii] - المصدر نفسه، ص169.
[xix] -  جهاد ملحم، مصدر سبق ذكره، ص241.
[xx] - ناصر الدين سعيدوني، مصدر سبق ذكره، ص165.
[xxi] - خليل حسين، قضايا دولية معاصرة، دار المنهل اللبناني، ط1، بيروت، 2007، ص30.
[xxii] - جهاد ملحم، مصدر سبق ذكره، ص242، ص243.
[xxiii] - اياس الهاجري، الحرب المعلوماتية، مقال منشور على الانترنيت بتاريخ 5/يناير/2002، على الموقع الاتي:www.minshowi.com
[xxiv] - نادر فرجاني، احتلال العراق بين ادعاءات التحرير ومطامح الاستعمار، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 293، 2003، ص14.
[xxv] -  احمد ابراهيم محمود، مصدر سبق ذكره، ص55.
[xxvi] - شيماء القرغولي، مصدر سبق ذكره.
[xxvii] - فؤاد زكريا، التفكير العلمي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الكويت، 1987، ص197.
[xxviii] - الحرب النفسية والانقلابات في الاستراتيجية الامريكية، دراسة منشورة على الانترنيت على الرابط الاتي:
[xxix] - سيار الجميل، مصدر سبق ذكره، ص27، ص28.
[xxx] - غسان العزي، سياسة القوة، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، 2000، ص35.
[xxxi] - فكتور فرنر، الحرب العالمية الثالثة-الخوف الكبير-، ترجمة هيثم الكيلاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بلا تاريخ، ص12.
[xxxii] - الفن وهايدي توفلر، انشاء حضارة جديدة-سياسة الموجة الثالثة-، ترجمة حافظ الجمالي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1998، ص34.
[xxxiii] - شيماء القرغولي، مصدر سبق ذكره.
[xxxiv] - رياض مهدي عبد الكاظم، السياسة الخارجية الامريكية وحقوق الانسان-دراسة حالة كوسوفو-، رسالة ماجستير، غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2007، ص31.
[xxxv] - عبد الرزاق الدواي، الخطاب عن حرب الثقافات في الفكر الغربي- نماذج من الفكر الامريكي المعاصر-، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الكويت، العدد 36، 2007، ص67.
[xxxvi] - صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات واعادة بناء النظام العالمي، ترجمة مالك عبيد ابو شهيوة، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان، ليبيا، ط1، 1999، ص352.
[xxxvii] - تيم نبلوك، العقوبات والمنبوذون في الشرق الاوسط- العراق ليبيا-السودان، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001، ص38، ص39.
[xxxviii] -  مايكل هدسون، مأزق امبريالية ادارة المناطق الجامحة، مجموعة باحثين، العرب والعالم بعد 11/ ايلول، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2002، ص114، ص115.
[xxxix] - خير الدين حسيب، التطورات الاخيرة في الولايات المتحدة وانعكاساتها العربية (حلقة نقاشية)، مجموعة باحثين، العرب بعد احداث 11/ ايلول، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2002، ص71.
[xl] - خطاب الرئيس الامريكي جورج بوش الابن في 8/2/2003 على الموقع: www.whaithouse.gov
[xli] - خطاب وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد في 20/3/2003 على الموقع: www.whaithouse.gov
[xlii] - شيماء القرغولي، مصدر سبق ذكره.
[xliii] - احمد ابراهيم محمود، مصدر سبق ذكره، ص58.
[xliv] - احمد ابراهيم محمد، مصدر سبق ذكره، ص58، ص59.
[xlv] - خليل حسين، مصدر سبق ذكره، ص83.
[xlvi]-Richard J. Hughbank, Guerilla Warfare & Law Enforcement: Combating the 21st Century Terrorist Cell within the U.S., Journal of Strategic Security, p 42.
     مصدر  مستخدم من المكتبة العلمية الافتراضية العراقية على الرابط: www.ivsl.org/?language=ar      
[xlvii] - وحيد عبد المجيد، الادارة العراقية للازمة والحرب، مجلة السياسة الدولية، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، العدد 152، 2003، ص 53.
[xlviii] - حسام الدين سويلم، خصخصة الحروب ودور المرتزقة وتطبيقها في العراق،الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2005، ص94.
[xlix] -  خير الدين حسيب، العراق الى اين؟ لا مخرج لامريكا الا بالمصالحة الوطنية، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 327، 2006، ص15، ص16.
[l] -عبد علي المعموري، عبء الحروب القذرة وندرة الازمة الاقتصادية –شيخوخة امريكا المبكرة- نشرة شؤون اقتصادية، العدد 1، بغداد، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2008، ص6.
[li] - لمزيد من التفاصيل ينظر، جوزيف ستيكلتز، وليندا ليامبس، حرب الثلاثة تريليونات دولار، الدار العربية للعلوم-ناشرون، بيروت، 2009. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق