الأحد، 29 يناير 2017

قراءة في قانون الاحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 -ابرز النقاط الايجابية والسلبية والتناقض والغموض-

تعد قوانين الاحزاب من المرتكزات الرئيسة للديمقراطيات في العالم، كونها تنظم الحياة الحزبية في اطار منافسة سياسية شفافة ترتكز على أسس ديمقراطية رصينة تسمح بالتداول السلمي للسلطة، والمشاركة الفاعلة في إدارة الحكم. كما انها تنظم العديد من القضايا المهمة في بنية الحزب الداخلية وتفاعلاته الخارجية في ظل البيئة السياسية للنظام السياسي القائم على التعددية الحزبية.
شرع قانون الاحزاب العراقي يوم 27 اب 2015 ويحمل الرقم (36) استنادا لأحكام البند (أولا) من المادة (61) والبند ( ثالثاً) من المادة (73) من الدستور العراقي الدائم, بوصفه قانونا مكملا للدستور ينظم الحياة السياسية والذي تضمن (61) مادة قانونية مقسمة على عشر فصول.
وقبل ذلك التاريخ كانت الكيانات السياسية في البلاد قد شاركت في الانتخابات التشريعية لاعوام 2005 و 2010 و2014 بموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المرقم 97 لسنة 2004 المعروف باسم “قانون الأحزاب والكيانات السياسية” والذي اصدره الحاكم المدني للعراق انذاك بول بريمر لتنظيم مشاركة الأحزاب والكيانات السياسية في الانتخابات ليحل محل قانون الاحزاب رقم (30) لسنة 1991 والذي اقر في زمن النظام السابق.

اولا: ابرز النقاط الايجابية في القانون:
يمكن اجمال نقاط القوة والايجابيات الواردة في قانون الاحزاب بالنقاط الاتية:
1-  اقر القانون مبدأ التداول السلمي للسلطة.
2-  اقر كذلك مبدأ التعددية السياسية وفق الشرعية الدستورية.
3-  ضمن حرية المواطنين في تأسيس الاحزاب والانضمام اليها والانسحاب منها كما شدد على ان يكون تأسيسها على اساس المواطنة.
4-  منع ان يكون تاسيس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي”.
5-  منع تأسيس الحزب الذي يروج لفكر او منهج حزب البعث كما منع البعثيين من تأسيس الاحزاب او الانخراط فيها لا سيما المشمولين بقانون المسائلة والعدالة.
6-  ركز على الاليات الديمقراطية في اختيار القيادات الحزبية.
7-  منع العمل الحزبي داخل القوات المسلحة ومفوضية الانتخابات ومفوضية حقوق الإنسان وهيئة النزاهة.
8-  اكد على ان لا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذا شكل التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة”, للحفاظ على سلمية النشاط السياسي.
9-  منع استغلال دور العبادة ودوائر الدولة بما فيها المؤسسات التعليمية في العمل الحزبي.
10-                     منح الاحزاب الشخصية المعنوية والقانونية فلها حق التملك لوسائل الإعلام والعقارات والمطابع وغيرها كما منحها القانون الاعانة المالية بنسبة 20% لكل الاحزاب المسجلة بموجب هذا القانون و80% للاحزاب الفائزة في الانتخابات النيابية وكلا حسب حجمه النيابي.
11-                     منع الاعانات الخارجية والدعم الخارجي لقطع الطريق على المتدخلين في الشؤون الداخلية للبلد.
12-                     ركز على حيادية الوظيفة العامة وتساوي وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين عند تولي المسؤولية.
13-         تخصيص اعانات مالية للأحزاب السياسية من موازنة الدولة, الغرض منها قطع دابر التمويل الخارجي وهذا ما معمول به في كثير من الدول منها (الارجنتين, السلفادور, كولومبيا, جمهورية الكونغو, وغيرها من الدول).
14-         تضمن القانون في احد فصوله (الاحكام الجزائية) او العقوبات التي تطال الاحزاب المخالفة للقانون اذ توزعت هذه العقوبات بين (الغرامة المالية والحبس والسجن وحل الحزب وحرمانه من المشاركة السياسية).
15-         تتمتع الاحزاب بمساحة واسعة من الحرية كالاجتماع وحق التظاهر واصدار مجلة خاصة للحزب وامتلاك وسائل اعلام للترويج عن شعاراتها فضلا عن الحفاظ على مقرات الحزب وسرية الوثائق ومراسلاته وجميعها مصانا من قبل الدولة.

ثانيا: ابرز النقاط السلبية في القانون :
1-  المادة (2) التي تنص على تأسيس “دائرة الاحزاب” وربطها بمجلس مفوضية الانتخابات والذي يخضع بدوره لهيمنة الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات فقط ويوصف بانه مجلس محاصصة حزبية سيتحكم بطبيعية الحال بقبول وتسجيل الأحزاب او التوصية بالغاء واستبعاد بعضها، كان من الأفضل ربطها بسلطة قضائية مستقلة على اقل تقدير.
2-  المادة 5/ثانياً تمنع تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على اساس العنصرية او الارهاب او التكفير او التعصب الطائفي او العرقي او القومي. ان هذه المادة مطاطية وتحمل اكثر من معنى وتفسير فما هي الجهة التي تحدد اساس العنصرية او الطائفية او العرقية وما مدى مستواها وماهو التعصب وما مقداره؟؟ وماهي المعايير التي يمكن الاستناد اليها في اثبات ذلك؟. فما يفهم على انه تعصبا او تعنصرا لدى جهة قد لايفهم كذلك لدى جهة اخرى.
3-  المادة6 اشارت الى اعتماد الاليات الديمقراطية لاختيار القيادات الحزبية لكنها لم تشير او تحدد حجم القيادات النسوية في تلك القيادات لاسيما ان الدستور العراقي فرض ما لا يقل عن 25% من النساء في التمثيل البرلماني لدفع المرأة للدخول بقوة في المعترك السياسي واخذ مكانتها ودورها الحقيقي في المساهمة في بناء المجتمع التي تشكل هي ركيزة أساسية فيه مع الاشارة الى ان البلدان العريقة في الديمقراطية كالمانيا فرضت نسبة 30% للقيادات النسوية داخل قيادات احزابها السياسية.
4-  اشتراط المادة 9/اولا في الأعضاء المؤسسين والمادة 10/اولا في الاعضاء المنتمين أن يكونوا عراقيي الجنسية، دون أن تتطرق إلى مزدوجي الجنسية أي من يحمل أكثر من جنسية وهل أن من حقهم أن يؤسسوا حزبا أو ينتموا إليه خاصة إذا كانوا منتمين إلى أحزاب في بلدهم الثاني .
5-  يشترط، في المادة 9/ثانيا، ان يكون من يتقدم بطلب تشكيل حزب قد "اكمل الخامسة والعشرين من العمر، ومتمتعا بالأهلية القانونية."
رغم ان الاهلية القانونية في العراق تنطبق على كل شخص بلغ الـ 18 سنة ويتمتع بكامل قواه العقلية، فان هذا القانون حدد العمر بخمس وعشرين سنة.
نجد مصدر هذا التحديد في قانون الاحزاب رقم 30 لسنة 1991 (المادة 7 الفقرة ثانيا)، ان تحديد عمر المؤسسين هذا فيه اجحاف كبير بفئة الشباب ممن هم دون هذا العمر. وفيه تقييد مهم لحريتهم في التعبير، وفي هذا خرق للدستور، فضلا عن تعارضه الاخر مع الدستور وقوانين الانتخابات لان الاخيرة اعطت حق الترشح لعضوية مجلس النواب لمن اكمل الثلاثين من العمر.؟
6-              المادة 9/سادساً اللتي تتحدث عن الشروط الخاصة بالمؤسسين والمنتمين منعت هذه المادة افراد القوات المسلحة ومفوضية الانتخابات ومفوضية حقوق الإنسان وهيئة النزاهة والمخابرات والامن الوطني واغفلت ادراج افراد او حتى مسؤولي البنك المركزي وهيئة الاعلام والاتصالات والمفتشين العموميين وكذلك ديوان الرقابة المالية الذي سيكون المدقق لحسابات الاحزاب السياسية بموجب هذا القانون فيجب ان يكون حياديا منعا للمحاباة او الخصومة وتحقيقاً للموضوعية والمهنية في العمل.
7-              المادة 14/ رابعاً اضافت للمحكمة الاتحادية اختصاص ليس من اختصاصاتها الحصرية المحددة في المادة 93 من الدستور والمتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذه وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة من السلطة الاتحادية وكذلك الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الاقاليم او المحافظات والفصل في الاتهامات الموجهة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والمصادقة على نتائج الانتخابات النيابية اضافة الى الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم والفصل ايضاً في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للاقاليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم. فاعطت حق الطعن امامها (المحكمة الاتحادية) في القرارات التي تصدرها محكمة الموضوع.
8-  المادة 21/ثانيا اعطت الحق للحزب السياسي بالاجتماع والتظاهر بالطرق السلمية وفقاً للقانون واغفلت حقه في موضوع الاعتصام سيما وان هذا الموضوع يتكرر مرارا وتكرارا في العمل السياسي .
9-                   المادة22 / ثانيا جعلت من رئيس تحرير صحيفة او مجلة الحزب مسؤول عما ينشر فيها وهذه مخالفة صريحة وتعارض كبير مع حرية الرأي والتعبير لان الناشر وكما هو معروف يكون المسؤول عما ينشره وان ذلك سيجعل رئيس التحرير متخوف دائما من النشر بسبب هذه الفقرة التي تحمله مسؤولية ماينشره غيره في صحيفة حزبه.
10-  المادة 25/ثانياً منعت الاحزاب السياسية من التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وصياغة هذه الفقرة فضفاضة وتحمل اوجه مختلفة فمجرد الرأي في موضوع يخص جانب معين مشترك مع دولة اخرى يمكن ان يعتبر تدخلا في شؤون تلك الدولة وكان الاحرى بالمشرع رفع هذه الفقرة منعاً للاحراج والتقييد.
كما كان الاجدر بالمشرع في نفس المادة اعلاه اضافة فقرة ((سادسا)) تنص على عدم اشغال الحزب لأي عقار من عقارات الدولة خلافاً للقانون كشرط من شروط منح الاجازة.
11-                        المادة33/ ثانياً لم تحدد مبلغ تبرع الشخص الطبيعي للحزب وقد حدد في الولايات المتحدة بما لا يتجاوز 3000$. كما يجب تحديد مبلغ تبرع الشخص المعنوي والتحقق من انه ليس تهرب ضريبي او غسيل اموال لان عدم التحديد سيترك الباب مفتوحا بضخ الاموال للاحزاب للتأثير في قراراتها ووضعها السياسي.
12-                        المادة 44/ثانياً اقتصرت في توزيع المنحة المالية على الاحزاب المسجلة بموجب القانون بنسبة 20% وبنسبة 80% للاحزاب الفائزة بمقاعد مجلس النواب كلا بحجم مقاعدة النيابية وقد اغفلت مقاعد مجالس المحافظات تماماً.
13-                        المادة 57 لم تحدد الجهة التي تؤول اليها اموال الحزب عند حله....

ثالثا: ابرز نقاط التناقض في القانون:
1-  المادة (41) تنص على “امتناع الحزب قبول اموال عينية او نقدية من اي حزب او جمعية او منظمة او شخص او اي جهة اجنبية الا بموافقة الحزب وعدم ارسال اموال او مبالغ الى جمعيات او منظمات او الى اية جهة اجنبية الا بموافقة دائرة الاحزاب”.
وعبارة “الا بموافقة دائرة الاحزاب” أفرغت المادة (25) المذكورة اعلاه كمادة ايجابية في القانون من محتواها فبينما تحظر المادة (25) الحزب او التكتل السياسية من الارتباط المالي باي جهة اجنبية تعود المادة (41) لتكرر الحظر مع إعطاء دائرة الاحزاب حرية الموافقة على قبول الاموال من اطراف خارجية وفي هذا تناقض واضح.
2-  المادة (46) والتي تعاقب بالحبس “مدة خمس سنوات ولا تقل عن ستة أشهر كل من مول خلافا لاحكام هذا القانون حزبا غير مرخصا”, لكن المادة (50) تعاقب ايضا بالحبس “كل مسؤول في حزب او تنظيم سياسي ارسل أموالا عائدة للحزب الى منظمات او اشخاص او اي جهة خارج العراق “الا بموافقة دائرة الاحزاب” ومرة اخرى قد يفرغ الاستثناء الممنوح لدائرة الاحزاب المادة (46) من محتواها عندما توافق على تمويل “اية جهة” كما نصت المادة (50(
3-  المادة (38) منعت الحزب من التجارة بقصد الربح، وحددة اربع استثناءات، الا ان المادة (33) حددت مصادر تمويل الحزب ومنها عوائد استثمار امواله، وهنا يظهر الغموض والتعارض في المصطلحات وما هو المقصود من اباحة الاستثمار لاموال الحزب، وبعد ذلك منع الحزب ومن التجارة بقصد الربح؟.
4-  المادة (42) بخصوص الاعانات المالية المقدمة من الدولة للحزب, اذ نصت المادة (42) على (تتسلم الاحزاب اعانة مالية سنوية من الدولة ), اما المادة (32/ثانيا) التي تنص على (حجب الاعانة المالية من الدولة لمدة (6) اشهر على الاحزاب المخالفة ) ؟ اذ يوجد تناقض بين المادتين, هل الاعانات شهرية ام سنوية.
5-  المادة (17/ثانيا/ و) من هي الجهة التي يقصد بها المشرع التي من خلالها تقوم دائرة الاحزاب بتقديم الشكاوى ضد الاحزاب المخالفة هل هي (محكمة الموضوع) او (المحكمة الاتحادية) ؟ كان الافضل تحديد اسم الجهة.

رابعا: ابرز نقاط الغموض في القانون:
1-  المادة (25)(على الحزب السياسي الامتناع عما يأتي : وذكر الفقرات ادناه) وجميع هذه الفقرات تهدد العملية السياسية وتتيح الفرصة للتدخل الخارجي في الشأن الداخلي العراقي بل تهدد الامن الوطني العراقي ؟ كان المفروض على المشرع العراقي استخدام عبارة (تحظر الاحزاب السياسية) بدل من كلمة (الامتناع).

ومما تقدم نجد ان قانون الاحزاب رقم (36) لسنة 2015، والذي ولد بعد مخاض عسير وتاجيل ومماطله من قبل الاحزاب الممثلة في السلطة التشريعيه، قد تضمن في طياته العديد من النقاط الايجابية التي تؤدي الى تنظيم صحيح لحياة سياسية سليمة، الا انه في الوقت نفسه لم يخلو من مواد وفقرات تعاني من الضعف والنقص واللبس، فضلا عن التعارض والتناقض بين بعض مواده وفقراته، واخيرا وليس اخرا بعض الغموض في استخدام المصطلحات وغيرها.

وهو ما يدعو المهتمين والمختصين واصحاب المصلحة من قادة واعضاء في الاحزاب السياسية ومن ممثلي الشعب من اعضاء السلطة التشريعيه، ومن ممثلي الجهات المنوط بها تنفيذ هذا القانون من المفوضية العليا للانتخابات وبالاخص دائرة شؤون الاحزاب، الى السعي الحثيث لتنضيج هذا القانون واجراء التعديلات عليه ليخرج بصورة متكاملة خاليا من العيوب والنقص والتعارض والغموض.
د. رياض مهدي الزبيدي/ دراسة قدمت ضمن الندوة التي نظمها مركز حوكمة للسياسات العامة بالاشتراك مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في 25/7/2016.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق