الخميس، 26 يناير 2017

اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع العراقي –دراسة مقارنة في مقتضيات التجريم-

المقدمة
كان الفساد في الماضي يقتصر في الغالب على اقليم كل دولة على حدة ولا يؤثر في الدول المجاورة ومع التقدم العالمي الحاصل في مجال تكنولوجيا المعلومات وقيام الاقتصاد الحر وذوبان الحدود بين الدول لم تعد كل دولة قائمة بذاتها منفصلة عن باقي الدول كما كان فى السابق وانما أصبحت كل دولة تؤثر وتتأثر بما يحدث بباقي الدول فظهرت الجرائم متعددة القوميات واتساع نطاق ارتكاب جرائم الفساد فلم تعد تلك الجرائم قاصرة على حدود دولة بعينها وانما أصبح سهل الانتشار والتوسع من دولة الى اخرى وخاصة مع غياب التعاون الدولي مما دعى منظمة الامم المتحدة الى الدعوة لعقد اتفاقية بين الدول لمكافحة الفساد واقامة التعاون بين الدول للعمل على تحجيم الفساد والقضاء عليه على المستوى الدولي فلم يكن يوجد أي سبيل آخر للقضاء على هذه الظاهرة والتي بدأت بالانتشار بصورة كبيرة خاصة فى الآونة الأخيرة سوى باقامة التعاون بين دول العالم لتطويقه ومحاولة القضاء عليه.
 وقد تم عقد اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتي ابرمت في العام 2003 وذلك لاقامة التعاون بين الدول لترويج وتدعيم التدابير الرامية الى منع ومكافحة الفساد بصورة فعالة ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية فى مجال منع ومكافحة الفساد واقامة التعاون بين دول العالم فى سبيل ذلك سواء عن طريق اعمال نصوص الاتفاقية فيما بينهم او ابرام اتفاقات ثنائية او اقليمية لتدعيم التعاون الفعلي والحقيقي في هذا المجال وكذلك تعزيز النزاهة والمساءلة والادارة السليمة للشؤون العمومية والممتلكات العمومية، اذ دعت الاتفاقية الدول الاطراف الى اصدار تشريعات داخلية وتنظيم التشريعات الموجودة وذلك لاعمال نصوص الاتفاقية ومكافحة الفساد في الداخل بصورة فعالة فضلا عن التزام كل دولة طرف بتقديم تقارير دورية للمنظمة شاملة توضح ما قامت باتخاذه من تدابير لاعمال نصوص الاتفاقية ومدى التزامها بها وما وصلت اليه فى سبيل مكافحة الفساد على المستوى الداخلي والخارجي، وسيتم تناول اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع العراقي كدراسة مقارنة في مجال استجابة العراق لمقتضيات التجريم الواردة في الفصل الثالث من الاتفاقية وذلك على النحو الاتي :

المبحث الاول: مفهوم الفساد و انواعه واشكاله وآليات معالجته:
في هذا المبحث سوف يتم التطرق الى تحديد مفهوم الفساد لغة واصطلاحا، ثم التعرف على انواع الفساد واشكاله، ومن ثم يتم طرح عدد من الآليات لمعالجته وكما ياتي:

150
المطلب الاول: مفهوم الفساد و انواعه واشكاله:
اولا: مفهوم الفساد:
لم تعرف الإنسانية تاريخاً محدداً لنشوء ظاهرة الفساد إذ انه قديم قدم التاريخ حيث عرفه الإنسان منذ بداية الخليقة، ولا زال يكتشف في كل يوم شكل جديد ونوع جديد منه، وقد ساهمت تعقيدات الحياة في زيادته وتعدد صوره التي تلقي بظلالها السيئة على المجتمعات([i])، وتعد ظاهرة الفساد ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ ابعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر، إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع([ii]).
وتتنوع التعريفات الخاصة بمفهوم الفساد ، فقد عرف الفساد في اللغة بانه ( العطب)، وياتي من الفعل فسد، وهو بمعنى اعطب، فهو كل سلوك اوحالة تتضمن معاني الخلل والتلف والضرر([iii])، والاستفساد خلاف الاستصلاح والمفسدة خلاف المصلحة([iv])، فهو الانحلال والبلى والتلف وخلاف الصلاح([v])، وهو نفس المعنى في اللغة الانكليزية لكلمة (corruption) التي تعني التلف وتدهور التكامل والفضيله ومبادئ الاخلاق والرشوة ايضا([vi]).
اما اصطلاحا  فيرى البعض بان الفساد هو (خروج عن القوانين والأنظمة (عدم الالتزام بهما)، أو استغلال غيابهما، من اجل تحقيق مصالح  سياسية أو اقتصادية مالية وتجارية، أو اجتماعية لصالح الفرد أو لصالح جماعة معينة للفرد مصالح شخصية معها)([vii])، في حين أن منظمة الشفافية الدولية تعرف الفساد على انه (سوء استخدام السلطة العامة لربح أو منفعة
 151

خاصة، أو انه عمل ضد الوظيفة العامة التي هي ثقة عامة)([viii]). أما البنك الدولي فانه يعرف الفساد بأنه (استعمال الوظيفة العامة للكسب الشخصي)([ix])، في حين أن صندوق النقد الدولي يذهب بمفهوم الفساد بالقول بأنه(علاقة الأيدي الطويلة المتعمدة التي تهدف باستنتاج الفوائد من هذا السلوك، لشخص واحد، أو لمجموعة ذات علاقة من الأفراد)([x]).
اما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2003 فقد عرفت الفساد بكل صوره وحالاته بأنه (الرشوة بكل وجوهها في القطاعين العام والخاص، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال الوظيفة، والأثراء غير المشروع، وغسل العائدات الإجرامية، وإخفاء الممتلكات المتأتية عن جرائم الفساد)([xi]).
ثانيا: انواع الفساد واشكاله:
 يكاد يتفق علماء الاقتصاد والاجتماع السياسي والقانون على تقسيم الفساد من حيث الخطورة الى درجتين وهما الفساد الصغير(Petty Corruption) والفساد الكبير(Grand Corruption)، وذلك استنادا الى معايير معينة اهمها صفة الفاعل وجسامة الاثر.
ا-: الفساد الصغير او الفساد الاداري: ويشمل آلية دفع الرشوة والعمولة، وآلية وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع للأقارب. وعادة ما يحصل في مستويات الادارة العامة المكلفه بتنفيذ السياسات، ويتصف بالعلاقة المباشرة بين الجمهور وبين الموظف الحكومي ويتضمن غالبا تبادل مبالغ صغيرة من المال او منح افضليات محدودة من جانب اصحاب المراكز الثانوية، ويواجه الناس هذا النوع من الفساد ويمارسونه اما بارادتهم او رغما عنهم كونه في حالات كثيرة يمثل الوسيلة الوحيدة امامهم للحصول على حقوقهم او تمشية مصالحهم مشروعه كانت ام غير مشروعه، وهو يحصل عادة في المؤسسات ذات الصله المباشرة بتقديم الخدمات للناس مثل (المستشفيات، مراكز الشرطة، الضرائب الخ)، والواقع ان هذا النوع من الفساد وان كان يمثل الحجم الاكبر للممارسات الفسادة في الجهاز الحكومي الا انه لا يرقى الى درجة خطورة النوع الثاني من الفساد وهو الفساد الكبير([xii]).  
152
ب - الفساد الكبير:  يحصل هذا النوع من الفساد في المستويات المكلفة بصياغ السياسات العامة، وهو لا يشير الى جمع الاموال الداخلة في التعاملات الفاسدة بقدر ما يشير الى المستويات التي يحتلها من يمارس هذا النوع من الفساد، فالفساد الكبير مجاله هو المستويات العليا من السلطة العامة حيث تصاغ السياسات والقواعد وهو يقترن غالبا وليس دائما بالفساد السياسي، ويشمل صفقات السلاح والتوكيلات التجارية للشركات متعددة الجنسية وغيرها ([xiii]).
ج- الفساد العارض والفساد المنظم: خلافا للفساد العارض فان الفساد المنظم يحصل عندما يصبح الفساد جزءا من النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتتوفر له الحماية من قبل المؤسسات التي اصبح جزءا منها، وهذا النوع من الفساد لا يمثل نوعا متميزا من الفساد بقدر كونه حالة تسود فيها الممارسات الفاسدة في المؤسسات الرئيسة في الدولة وتمارس بشكل طبيعي من قبل الجماعات والافراد، فلا يكون امام اغلب الناس من بديل سوى اللجوء الى الموظفين الفاسدين.
والواقع ان كل من نوعي الفساد يمكن ان يتحول في ظروف معينة الى فساد ممنهج ولكن الضرر الاكبر انما ينجم عن حالات الفساد الكبير برغم التفاوت بين حجم الظاهرتين، لان الفساد الكبير يتعلق دائما بمعاملات ذات حجم كبير وتؤثر سلبا على الاطار القانوني والتنظيمي للدولة وسياساتها بصفه عامة، وذلك لصالح تحقيق منافع شخصية محدودة بفرد او جماعة معينه، هذا بينما يتعلق الفساد الصغير بممارسات المستويات الوظيفية الدنيا وتتسم بضآلة المبالغ موضوع الحديث([xiv]).
ومما تقدم يمكن القول أن الفساد هو عكس الاستقامة والنزاهة والإيجابية والبناء، وهو ممارسة وسلوك لتغليب المنفعة الشخصية على المنفعة العامة واستغلال المصلحة العامة لتحقيق المنافع الشخصية دون النظر إلى المنفعة العامة، كما أنه سوء سلوك ذاتي ينعكس على الآخرين وما قد يجنيه الشخص من ذلك السلوك من تحقيق أرباح مادية طائلة، إلا أنها تكون على حساب المجتمع المحيط به وما قد يلحق ذلك من آثار سلبية في المجتمع، والتي تتجسد في ازدياد صور
153
الانحراف وامتدادها عبر شبكات تتاجر وتقامر باقتصاد ومقومات البلد من خلال إضعافه داخلياً للانتقال إلى المتاجرة بمقدراته خارجياً، إضافة إلى غرس صفات الابتزاز والجشع والاحتيال والنصب، نتيجة لوجود نفوس ضعيفة تمارس الفساد بأوجهه وأطره المختلفة([xv]).
المطلب الثاني: آليات معالجته:
تتعدد وتتنوع آليات معالجة الفساد بحسب حجمه ونوعه وشكله، وسوف يتم التطرق في هذا المطلب الى آليات المعالجة الشاملة للفساد، وكذلك التركيز على آليات مقترحة لمكافحة الفساد في العراق وكما يلي:
اولا: آليات المعالجة الشاملة:
يتصل بمفهوم الفساد مجموعة من المفاهيم الأخرى التي يساعد فهمها في مكافحته ومعالجته وهي: المحاسبة، المساءلة، الشفافية، النزاهة، ويمكن توضيح كل منها باختصار كما يلي:
1- المحاسبة: وتعني أن الأشخاص الذين يتولون مناصب عامة، يخدمون من خلالها المواطنين يتعرضون للفحص والمساءلة من قبل المسؤولين عنهم في المناصب العليا، مثل الوزراء ومن هم في مراتبهم في ثلاثة جوانب هي:
المتابعة القانونية: أي مطابقة تصرفات الأفراد مع بنود القانون في الأعمال التي يقومون بها، وإذا ثبت وجود تجاوز للقانون تتم محاسبتهم وفق ما ينص عليه القانون لدى الجهات القضائية.
المتابعة الإدارية: أي تعرض الأفراد العاملين في مؤسسة حكومية للفحص والمتابعة والتقييم المستمر من قبل الأفراد الأعلى منهم درجة في سلم الهرم الوظيفي للمؤسسة أو الوزارة .
المتابعة الأخلاقية: وتعني مقارنة الأعمال التي يقوم بها الشخص مع القيم الأخلاقية التي يجب الالتزام  بها مثل: الأمانة في العمل، والصدق في القول، والعدالة في المعاملة، وغير ذلك من الصفات. وعند ثبوت تجاوز أحد هذه الصفات الأخلاقية للشخص في عمله تتم مساءلته ومحاسبته من قبل الجهات المسؤولة عنه .
2- المساءلة: وتعني ضرورة تقديم الأشخاص المسؤولين والذين تم تعيينهم أو انتخابهم تقارير دورية، أي مستمرة وفي فترات زمنية يتم الاتفاق عليها، حول سير العمل في المؤسسة أو الوزارة، وبشكل تفصيلي، يوضح الإيجابيات والسلبيات في العمل والصعوبات التي يواجهونها، وتعني
154
المساءلة كذلك حق المواطنين العاديين الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال المسؤولين في الإدارات العامة مثل النواب في المجلس التشريعي والوزراء والموظفين الذين يعملون في المؤسسات والوزارات المختلفة. وذلك من اجل التأكد من مطابقة أعمال هؤلاء مع أسس الديمقراطية القائمة على الوضوح، وحق المواطن في معرفة بأعمال المسؤولين، والعدل والمساواة، ومدى اتفاق أعمال المسؤولين مع تحديد القانون لوظائفهم ومهامهم، حتى يكتسب هؤلاء الشرعية والدعم المقدمة من الشعب والتي تضمن استمرارهم في عملهم .
3- الشفافية: وتتصل بجانبين: الأول يتعلق بوضوح العمل داخل المؤسسة ووضوح العلاقة مع المواطنين المنتفعين من خدماتها أو الذين يساعدون في تمويلها، ويتعلق الجانب الثاني بالإجراءات والغايات والأهداف التي يجب أن تكون علنية غير سرية لأي سبب من الأسباب، وينطبق ذلك على جميع أعمال الحكومة بوزاراتها المختلفة، كما ينطبق على أعمال المؤسسة غير الحكومية والتي تعمل لحسابها الخاص ويتعامل معها المواطنون.
4- النزاهة: هي منظومة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص في العمل، وبالرغم من التقارب بين مفهومي النزاهة والشفافية إلا أن الأول يتصل بقيم أخلاقية معنوية بينما يتصل الثاني بنظم وإجراءات عملية[xvi]
ثانيا: آليات مكافحة الفساد في العراق :
وتكون على النحو الآتي:-
1.وضع المناهج التربوية والثقافية عبر وسائل الأعلام المختلفة لإنشاء ثقافة النزاهة وحفظ المال عن طريق إستراتيجية طويلة المدى لغرض تحقيق الولاء والانتماء بين الفرد والوطن، إذ أن القانون ليس هو الرادع الوحيد للفساد، وإنما يجب أن تكون هناك ثقافة للنزاهة وحفظ المال العام.
2.إعطاء الدور الريادي لوزارات التربية والتعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، لوضع منهج دراسي لكل المراحل لتلبية ثقافة الحرص على المال العام والنزاهة في التعامل وتقليص روح الأنانية الفردية والسمو بالروح الجماعية.
3.إصدار قوانين صارمة لمنع هدر الأموال العامة والفساد الإداري والمسائلة الجدية من قبل دوائر المفتشين العامين واللجان الفرعية للمراقبة والنزاهة حسب الاختصاصات ضمن الوزارات المعنية، وتعديل قانون الحصانة الممنوح للوزراء وأعضاء مجلس النواب لتمكين الجهات القضائية في التحقيق والمسائلة في قضايا الفساد المرفوعة ضدهم، فضلاً عن الاختيار الصحيح للأشخاص النزيهين من هيئات الرقابة والتفتيش والنزاهة.
155
4.وضع أنظمة فعالة وجدية لتقويم أداء المؤسسات الحكومية من خلال مبدأ محاسبة تكاليف الفساد المادية وغير المادية لكي لا تكون مبرراً لإلغاء أو تجميد خطط مكافحة الفساد، لارتفاع تكاليفها عن تكاليف الفساد.
5.تكوين رأي عام يرفض الفساد دينياً وأخلاقياً وتثقيف المجتمع عن طريق وسائل الأعلام المختلفة، وتحويل الولاء تدريجياً من العائلة والعشيرة إلى الأمة والدولة.
6.مكافحة البطالة والتضخم عن طريق توفير فرص العمل وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وتنشيط الصناعة الوطنية.
7.استخدام الطرق الفاعلة للحد من ظاهرة غسيل الأموال، والتعاون مع دول الجوار في مسك الحدود لمنع التهريب والتجارة بالأسلحة والمخدرات والبشر وغير ذلك .
8.العمل على تحقيق العدل واقتلاع الحرمان من جذوره باعتباره أحد الموارد التي تغذي الفساد الإداري والمالي من خلال (العمل والإنتاج) .
9.ترسيخ الديمقراطية وتعزيز الشفافية واعتبارها حق للمواطن من أجل تصحيح وتصويب الأداء العام، وسيادة القانون ومعاقبة المفسدين سواء كانوا عاملين داخل الدولة أو خارجها.

المبحث الثاني: قرائة في الاطار العام للاتفاقية وبعض التشريعات العراقية
بما ان ظاهرة الفساد تعد ظاهرة ممتدة عالميا فان آثارها اخذت طبيعة عالمية، فهي تتوزع على جميع دول العالم فيكون امتدادها افقي، وتتركز فيها بنسب ودرجات متفاوتة فيكون امتدادها رئيسي، وعليه شعر المجتمع الدولي والمحلي بخطورة هذه الظاهرة فقام بمواجهتها باساليب وآليات مختلفة ومعقدة، وابرزها على المستوى الدولي ابرام اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2003، اما على الصعيد الداخلي فقد واجهته الدول ومن بينها العراق من خلال اصدار مجموعة من القوانين الداخلية الخاصة والعامة، وهو ما سيتم توضيحة من خلال ما ياتي: 

المطلب الاول: نبذة مختصرة عن اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد:
تتكون اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد من ديباجة و (71) مادة موزعة على ثمانية فصول، وقد جاء في الديباجة التعبير عن قلق المجتمع الدولي مما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الاخلاقية والعدالة ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر وكذلك الصلات القائمة بين الفساد وسائر اشكال الجريمة وخصوصا الجريمة الاقتصادية بما فيها غسل الاموال وايضا حالات الفساد التى تتعلق بمقادير هائلة من الموجودات يمكن ان تمثل نسبة كبيرة من موارد
156
الدولة والتى تهدد الاستقرار السياسى والتنمية المستدامة لتلك الدول. واقتناعا منها بأن الفساد لم يعد شأنا محليا بل هو ظاهرة عبر وطنية تمس كل المجتمعات والاقتصاديات مما يجعل التعاون الدولى على منعه ومكافحته أمرا ضروريا وان اتباع نهج شامل ومتعدد الجوانب هو امر لازم لمنع الفساد ومكافحته بصورة فعالة وان توافر المساعدة التقنية يمكن ان يؤدى دورا هاما بما فى ذلك عن طريق تدعيم الطاقات وبناء المؤسسات فى تعزيز قدرة الدول على منع الفساد ومكافحته بصورة فعالة([xvii]).
اما الفصل الاول (الاحكام العامة) فقد تناول المواد من (1 الى 4)، ويبين قسم استهلالي قصير بايجاز اغراض الاتفاقية، ويعرف المصطلحات المستخدمة في النص الكامل للاتفاقية، ويبين نطاق الانطباق، ويؤكد على مبدأ حماية سيادة الدول الاطراف.
اما الفصل الثاني (التدابير الوقائية) فقد تناول المواد من (5 الى 14)، اذ بين سياسات وممارسات مكافحة الفساد الوقائية، وهيئة او هيئات مكافحة الفساد الوقائية، والقطاع العام، ومدونات قواعد سلوك الموظفين العموميين، المشتريات العمومية وادارة الاموال العمومية، وابلاغ الناس، والتدابير المتعلقة بالجهاز القضائي، والقطاع الخاص، ومشاركة المجتمع، وتدابير منع غسيل الاموال([xviii]).
اما الفصل الثالث (التجريم وانفاذ القانون) فقد تناول المواد من (15 الى42)، وينقسم الى جزاين رئيسيين، يركز الجزء الاول على التجريم الالزامي، اي على الافعال الاجرامية التي يجب على الدول الاطراف ان تعينها كجرائم، وتشمل هذه الافعال رشو الموظفين العموميين الوطنيين، والتماس هؤلاء الموظفين الرشوة او قبولهم اياها، ورشو الموظفين العموميين الاجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية، واختلاس الممتلكات او تبديدها او تسريبها باي شكل من قبل موظف عمومي، وغسل عائدات الجريمة، والاخفاء، وعرقلة سير العدالة. ويبين الجزء الثاني من القسم المعني بتجريم الافعال التي ينبغي للدول الاطراف ان تجرمها وهو يشمل الفقرة (2) من المادة (16) والمواد (18 و22و 24)، وتضع الاتفاقية معايير دنيا، ولكن للدول الاطراف الحرية من ان تجعلها ابعد نطاقا، فالواقع ان من المسلم به انه يجوز ان تجرم الدول اوتكون قد جرمت بالفعل سلوكا غير الجرائم المذكورة في هذا الفصل باعتبار هذا السلوك فاسدا.
ثم ينتقل الى مسؤولية الشخصيات الاعتبارية، والمشاركة والشروع، والعلم والنية والغرض للفعل الاجرامي، والتقادم، والملاحقة والمقاضاة والجزاءات، والتجميد والحجز والمصادرة، وحماية
157
 الشهود والخبراء والضحايا، وحماية المبلغين، وعواقب افعال الفساد، والتعويض عن الضرر، والسلطات المتخصصة، والتعاون لانفاذ القانون، والتعاون بين السلطات الوطنية، والتعاون بين السلطات الوطنية والقطاع الخاص، والسرية المصرفية، والسجل الجنائي، والولاية القضائية.
وكما نلاحظ ان هذا القسم من الاتفاقية يتناول مجموعة من الاحكام والتدابير التي تسهم في تحقيق الفعالية في تحديد هوية الاشخاص الضالعين في الممارسات الفاسدة والقاء القبض عليهم ومحاكمتهم ومقاضاتهم وفرض الجزاءات عليهم، ولتحقيق هذه الاهداف وكذلك اهداف ضمان تطبيق العدالة ومنع مرتكبي الافعال الاجرامية من التمتع بما جنوه من سوء سلوكهم فان من الامور الحيوية اتخاذ التدابير اللازمة لكشف مكان العائدات الاجرامية وضبطها، الى جانب التعويض عن الاضرار، ومن المفيد والضروري ايضا تامين الحماية الوافية بالغرض للشهود والضحايا، وغيرهم من الاشخاص الذين يتعاونون في التحقيق او الملاحقة بشان فعل مجرم وفقا لهذه الاتفاقية، واخيرا، لا يمكن تحقيق جميع هذه الاهداف الا من خلال التعاون على الصعيدين الوطني والدولي، ليس فيما بين السلطات العامة ذات الصلة فحسب، بل بين السلطات الوطنية و القطاع الخاص ايضا([xix]).
اما الفصل الرابع (التعاون الدولي) فقد تناول المواد من (43 الى 50)، اذ بينت هذه المواد كل ما له علاقه بموضوع التعاون الدولي من حيث تسليم المجرمين، ونقل الاشخاص المحكوم عليهم، والمساعدة القانونية المتبادلة، ونقل الاجراءات الجنائية، والتعاون في مجال انفاذ القانون، والتحقيقات المشتركة، واساليب التحري الخاصة([xx]).
ومن خلال الاطلاع على نصوص المواد السابقة يتضح ان هذه المواد جاءت لتعالج مشاكل حقيقية موجودة تسهل انتشار الفساد العابر للحدود، فسهولة السفر من دولة الى اخرى توفر للمجرمين الخطرين طريقة للهروب من الملاحقة والعدالة، كما ان العولمة تتيح للجناة مزيدا من السهولة في عبور الحدود المادية منها والافتراضية، لتجزئة المعاملات واخفاء الاآثار لتضليل التحريات، وللبحث عنملاذ آمن لهم شخصيا ولستر عائدات الجريمة، ومن ثم فانه من دون تعاون دولي فعال لا يمكن بلوغ اهداف المنع والتحقيق والتحريات والملاحقة القضائية والعقاب واسترداد المكاسب غير المشروعة واعادتها الى اوطانها الاصلية([xxi]).
158
اما الفصل الخامس (استرداد الموجودات) فقد تناول المواد من (51 الى 59)، اذ وضحت مواده كل ما يتعلق استرداد الموجودات، وكذلك منع كشف العائدات المتأتية من الجريمة، وتدابير الاسترداد المباشر للممتلكات، وآليات استرداد الممتلكات، والتعاون الدولي لاغراض المصادرة، والتعاون الخاص، وارجاع الموجودات والتصرف بها، ووحدة المعلومات الاستخبارية المالية، والاتفاقات والترتيبات الثنائية والمتعددة الاطراف([xxii]).
وعند التمعن بعنوان ومضمون هذا الفصل يتضح خطورة ما يترتب على تصدير الموجودات المتأتية من الفساد او من مصادر اخرى غير مشروعه من عواقب خطيرة او حتى مدمرة لدولة المنشأ، فهو يقوض المعونه الخارجية ويستنفذ احتياطيات العملة، ويقلص الوعاء الضريبي، ويزيد من مستويات الفقر، ويضر بالتنافس ويقوض اسس التجارة الحرة، ولذلك فان جميع السياسات العامة، بما فيها السياسات المرتبطة بالسلم والامن والنمو الاقتصادي والتعليم والرعاية الصحية والبيئة، قد تقوض من جراء ذلك، وما السرقة من الخزانات الوطنية والفساد والرشى والابتزاز والنهب المنظم والبيع غير القانوني للموارد الطبيعية او الكنوز الثقافية وتسريب الاموال المقترضة من المؤسسات الدولية الا عينة صغيرة مما يسمى ممارسات (حكم اللصوص)، ففي مثل هذه الحالات، باتت مصادر الموجودات المسروقة (من طرف اشخاص عموميين ذوي مناصب عليا في بعض الحالات) هاجسا ملحا لدى العديدمن الدول. ونتيجة لذلك فان اي رد فعال ورادع يجب ان يكون عالميا ويتناول مسألة ارجاع الموجودات الى الدول الضحية او غيرها من الاطراف([xxiii]).
اما الفصل السادس (المساعدة التقنية وتبادل المعلومات) فقد تناول المواد من (60 الى 62)، وقد ركز على التدريب والمساعدة التقنية، وجمع المعلومات المتعلقة بالفساد وتبادلها وتحليلها، فضلا عن تدابير اخرى.
وبهذا الصدد يمكن القول ان الدول تسعى اى اتخاذ تدابير تجيز لها ان تحيل معلومات عن العائدات المتاتية من جرائم الفساد الى اي دولة طرف اخرى من دون طلب مسبق، عندما ترى ان افشاء تلك المعلومات قد يساعد الدولة الطرف المتلقية في تحقيقات اوملاحقات اواجراءات قضائية، وتحقيقا لهذه الغاية، على الدول الاطراف في الاتفاقية ان تنظر في انشاء وحدة معلومات استخبارية مالية تكون مسؤولة عن تلقي التقارير عن المعاملات المالية المشبوهة
159
 وكذلك تحليلها وتعميمها على السلطات المختصة، و تبادلها مع الدول الاخرى([xxiv]).
اما الفصل السابع (آليات التنفيذ) فقد تناول المادتين (63 الى 64)، واللتان تتعلقان بتشكيل مؤتمر للدول الاطراف في الاتفاقية  من اجل تحسين قدرة الدول وتعاونها على تحقيق الاهداف المبينة في هذه الاتفاقية ومن اجل تشجيع تنفيذها واستعراضه، اذ يقوم الامين العام للامم المتحدة بعقد مؤتمر للدول الاطراف في موعد اقصاه سنة واحدة بعد بدء نفاذ هذه الاتفاقية، وبعد ذلك تعقد اجتماعات منتظمة لمؤتمر الدول الاطراف وفقا للنظام الداخلي الذي يعتمده المؤتمر، كما تشكل الامانة التي توفر خدمات مناسبة لمؤتمر الدول الاطراف للاضطلاع بالانشطة واتخاذ التدابير لعقد دورات مؤتمر الدول([xxv]).
اما الفصل الثامن (الاحكام الختامية) فقد تناول المواد (65 الى 71)، وقد تطرق الى النصوص الخاصة بتنفيذ الاتفاقية، وكذلك تسوية النزاعات، والتوقيع والتصديق والقبول والاقرار والانضمام، وكذلك بدء نفاذ الاتفاقية، وكيفية تعديلها، وطريقة الانسحاب منها، واخيرا الوديع واللغات.

المطلب الثاني: قرائة في بعض التشريعات العراقية ذات العلاقة بمكافحة الفساد
عند التطرق الى ظاهرة الفساد وطريقة معالجته ومكافحه في العراق، يمكن القول ان مكافحة هذه الظاهره عموما تتطلب اراة سياسية وبرنامجا متكاملا من خلال تفعيل حزمة التشريعات والقوانين السارية المفعول التي تناولت مواضيع الفساد، وفي الوقت نفسه تعديل ما تحتاجه هذه القوانين من تعديلات لتواكب التطور الحاصل على صعيد بنية الدولة والنظام السياسي الجديد بعد عام 2003، وكذلك اصدار حزمة من التشريعات والقوانين الضرورية والمهمه، من قبل مجلس النواب العراقي مثل قانون مكافحة الفساد، وقانون حماية الشهود والمخبرين والضحايا وغيرها من القوانين.
ويمكن القول البنية التشريعية العراقية تضم عدد من القوانين التي تناولت موضوع الفساد سواء قبل عام 2003 او بعده، ومن ابرز واهم هذه القوانين هو قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل، وهو ما تم الاعتماد عليه في المبحث القادم في موضوع المقارنة، وكذلك قانون العقوبات العسكرية وقانون العقوبات لقوى الامن الداخلي، فضلا عن قانون ديوان الرقابة
160
 المالية رقم (6) لسنة 1990، وقانون مكافحة غسيل الاموال رقم (93) لسنة 2004، وامر سلطة الائتلاف رقم (55) لسنة 2004 الملغى الذي تم بموجبه انشاء هيئة النزاهه، وغيرها من القوانين.
وفي هذا الصدد سوف يتم تناول كل من قانون مكافحة غسيل الاموال الامر الخاص بتشكيل هيئة النزاهه.
قانون مكافحة غسيل الاموال:
صدر هذا القانون بعد احداث عام 2003 وانتشار الجريمة المنظمة التي تزامن وجودها وانتشار حالة الفلتان الامني التي مر بها البلد وانتشار حالات الفساد المال والاداري، وقد عرفت المادة (3) منه هذه الجريمة بانها (كل من يدير او يحاول ان يدير تعاملا ماليا يوظف عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني...)([xxvi])، كما اوجبت المادة (12)  الاخبار عن الاموال والعمليات المصرفية التي تبدو انها متحصلة عناحدى الجرائم المنظمة، ويكون ذلك من خلال مكتب الابلاغ عن غسيل الاموال الذي يكون تابعا من الناحية الادارية لمدير البنك المركزي العراقي، كما الزمت المادتان (15، 16) المؤسسات المالية باجراء فحص لكل عملية مصرفية تزيد عن مبلغ معين حيث يشك في مشروعية مصدرها، وفي مثل هذه الاحوال فان على البنك المركزي ان يستعلم من العميل عنحقيقة مصدر هذه الاموال والجهة المحولة اليها وعن الشخص المستفيد منها.
كما تقوم المؤسسة المالية بعدة خطوات للتحقق الاضافي عن الهوية اذا كان للاخيرة شكوك بهوية الزبون وهو ما اكدته المادة (17) من هذا القانون، كما اوجبت المادة (22) المؤسسة ان تظل محتفظة بالمستندات الخاصة بكافة عملائها لمدة خمس سنوات بعد قفل حساباتهم وانتهاء علاقتهم بها، ولم يكتف المشرع بهذا القدر وانما اوجب عمل سجلات لكافة التعاملات التي تزيد على (150000) دينار والاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن خمس سنوات بعد التعامل([xxvii]).
وقد اختلفت الجزاءات التي قررها المشرع العراقي في قانون مكافحة غسيل الاموال بحسب نوع المصدر غير المشروع، الا انمعظمها تتراوح بين عقوبة الغرامة المالية والحبس بمدد قصيرة.
161

الاوامر الصادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة([xxviii]):
امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (55) لسنة 2004 الملغى، الذي نظم احكام مكافحة الفساد  وتشكيل هيئة النزاهة، فقد نص القسم(4/8) على ( يجوز للهيئة ان تقترح على الهيئة التشريعية الوطنية تشريعات صممت للقضاء على الفساد وتنمية ثقافة الاستقامة و النزاهة و الشفافية و الخضوع للمحاسبة و التعرض للاستجواب و التعامل المنصف مع الحكومة).
 وكذلك امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (59) لسنة 2004: بخصوص حماية المخبرين في المؤسسات الحكومية، وامر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (77) لسنة 2004، المنظم لعمل ديوان الرقابة المالية.
قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011 :
تشكلت هيئة النزاهة وفق الامر (55) الذي تم التطرق اليه اعلاه، الى ان اقر البرلمان العراقي قانونا جديدا لهيئة النزاهة، وقد نصت المادة (11) على:
(اولا: للهيئة صلاحية التحقيق في اي قضية فساد بواسطة احد محققيها تحت اشراف قاضي التحقيق المختص، ثانيا: يرجح اختصاص الهيئة التحقيقي في قضايا الفساد على اختصاص الجهات التحقيقية الاخرى بضمنها الجهات التحقيقية العسكرية والجهات التحقيقية لدى قوى الامن الداخلي، ويتوجب بتلك الجهات ايداع الاوراق والوثائق والبيانات المتعلقة بالقضية الى هيئة النزاهة متى ما اختارت الهيئة اكمال التحقيق فيها).
اما المادة (12) فقد نصت على ان (للهيئة استخدام وسائل التقدم العلمي واجهزة وىلات التحري والتحقيق وجمع الادلة، وعلى رئيسها توفير مستلزمات ومتطلبات استخدامها في ميدان الكشف عن جرائم الفساد او منعها او ملاحقة مرتكبيها).
اما المادة (15) اولا فقد نصت على (تلتزم جميع دوائر ومؤسسات الدولة العامة بتزويد الهيئة بما تطلبه من وثائق واوليات ومعلومات التي تتعلق بالقضية التي يراد التحري او التحقيق فيها، وتتعاون معها لتمكينها من اداء مهامها التحقيقية المنصوص عليها في هذا القانون).
161
وقد نضمت المواد  من (16 الى 20) الكسب غير المشروع من خلال اصدار الهيئة للائحة تنظيمية تنشر في الجريدة الرسمية لتنظيم احكام ومبادئ الالتزام بتقديم تقارير الكشف عن الذمم المالية من المكلفين بتقديمهاطبقا لاحكام هذا القانون.
كما نصت المادة (21) اولا على ان تؤد الهيئة واجباتها في ميدان منع الفساد ومكافحته بالتعاون مع ديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العاميين([xxix]).
فضلا عما تقدم فان هنالك عدد من القوانين التي تنتظر اقرارها من قبل البرلمان العراقي والتي سوف تسد ما موجود من ثغرات ونقوصات وكذلك تحقق الاستجابة الكاملة من قبل العراق للالتزامات الواردة في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، مثل قانون مكاتب المفتشين العموميين، وقانون الرقابة المالية، وقانون مكافحة الفساد، فضلا عن الحاجة الى حزمة اخرى من القوانين والتشريعات التي تتعلق بتنظيم المناقصات والمشتريات، وقانون الشهود والمخبرين والضحايا، وقانون حق الاطلاع على المعلومات، وقانون الاحزاب السياسية، وقانون تمويل الحملات الانتخابية، وقانون ينظم رواتب موظفي الدولة (الدرجات الخاصة).
المبحث الثالث: مقارنة الاتفاقية مع التشريع العراقي وخاصة في مجال التجريم
ان العراق من الدول الاطراف في اتفاقية مكافحة الفساد الصادرة عن الامم المتحدة والمبرمة في العام 2003، بموجب القانون رقم (35) لسنة 2007، اذ وضعت الاتفاقية قواعد عامة مجردة لتنظيم عملية مكافحة الفساد على المستوى الدولي ونصت على الجرائم التي تعد جرائم فساد على ان تقوم الدول الاعضاء بتنظيمها عن طريق تشريعاتها الداخلية سواء عن طريق اعمال التشريعات الموجودة والمتعلقة بموضوع الاتفاقية او اصدار تشريعات جديدة لاعمال نصوص الاتفاقية داخل اقليم الدول الاطراف اذ نصت المادة (65) من الاتفاقية على ان تتخذ كل دولة طرف وفقا للمبادىء الاساسية لقانونها الداخلي مايلزم من تدابير بما فيها التدابير التشريعية والادارية لضمان تنفيذ التزاماتها بمقتضى الاتفاقية، كما يجوز لكل دولة طرف ان تعتمد تدابير اكثر صرامة او شدة من التدابير المنصوص عليها فى الاتفاقية من اجل منع الفساد ومكافحته، وان كان العراق من الدول الاطراف في الاتفاقية فقد قام باتخاذ مجموعة من التدابير لاعمال نصوص الاتفاقية مثل انشاء هيئة النزاهة فضلا عن تشريعاته الداخلية الموجودة بالفعل وخاصة فى مجال مكافحة الجرائم في الوظائف الادارية مثل قانون العقوبات رقم (111) لسنة
162
1969 المعدل وغيره من القوانين، الا ان تشريعاته الداخلية لاتزال بحاجة الى بعض التعديلات
 واصدار تشريعات جديدة مثل قانون مكافحة الفساد حتى يكون لها دور فعال فى مكافحة الفساد الداخلي.
ومما تقدم يمكن القول ان اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد كانت اطارا تشريعيا متكاملا لمواجهة الفساد وطنيا ودوليا، وكان فصلها الثالث المعنون(التجريم وانفاذ القانون) من اكثر فصولها اهمية، اذ ان هناك اوجه اتفاق واختلاف بين نصوص اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع العراقي، ونعرض لبعض هذه الأوجه وكما ياتي:
المطلب الاول: اوجة الاتفاق بين اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع العراقي:
يمكن تقسيم نقاط الاتفاق بين اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع العراقي الى قسمين رئيسين، اذ يتناول القسم الاول نقاط الاتفاق الالزامية، اما الثاني فيتناول نقاط الاتفاق الاختيارية، وكما يلي:
اولا: نقاط الاتفاق الالزامية:
1- نصت المادة (15) من الاتفاقية فيما يتعلق برشوة الموظفين العموميين الوطنيين على ( تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم الافعال الاتية عندما ترتكب عمدا :(أ) وعد موظف عمومي بمزية غير مستحقة او عرضها عليه او منحه اياها بشكل مباشر او غير مباشر سواء لصالح الموظف او لصالح شخص او كيان اخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل او يمتنع عن القيام بفعل ما لدى اداء واجباته الرسمية. (ب) التماس موظف عمومي او قبوله، بشكل مباشر او غير مباشر مزية غير مستحقة سواء لصالح الموظف نفسه او لصالح شخص او كيان اخر ، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما او يمتنع عن القيام بفعل ما لدى اداءه واجباته الرسمية)([i]).
وقد جرم العراق هذا الفعل بموجب قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل في الفصل الاول المعنون (الرشوة) من الباب السادس المعنون ( الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة ) في المواد من (307 الى 315) منه([ii])، اذ نصت المادة ( 307 ) على : ( 1- كل موظف او مكلف بخدمة عامة طلب او قبل لنفسه او لغيره عطية او منفعة او ميزة او وعدا بشئ من
163
ذلك لاداء عمل من اعمال وظيفته او الامتناع عنه او الاخلال بواجبات وظيفته يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين او بالحبس والغرامة على ان لا تقل عما اعطى او وعد به ولا تزيد باي حال من الاحوال على خمسمائة دينار. 2- وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس اذا حصل الطلب او القبول او الاخذ بعد اداء العمل او الامتناع عنه او بعد الاخلال بواجبات الوظيفة بقصد المكافأة على ما وقع من ذلك).
 فالتشريع العراقي يستجيب بالكامل لمتطلبات المادة (15) من الاتفاقية فيجرم رشو وارتشاء الموظف العمومي الوطني، بل انه يجرم افعال اخرى لم تنص الاتفاقية على تجريمها من افعال وصور الرشوة.
2-نصت المادة (17) من الاتفاقية فيما يخص اختلاس الممتلكات او تبديدها او تسريبها بشكل اخر من قبل موظف عمومي على ان ( تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم قيام موظف عمومي عمدا، لصالحه هو او لصالح كيان اخر، باختلاس او تبديد أي ممتلكات او اموال او اوراق عمومية او خصوصية او أي اشياء اخرى ذات قيمة عهد بها اليه بحكم موقعه او تسريبها بشكل اخر)([iii]).
وقد عالج قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل جريمة (الاختلاس) في المادتين ( 315 و316 )، فنصت المادة (315) على: ( يعاقب بالسجن كل موظف او مكلف بخدمة عامة اختلس او اخفى مالا او متاعا او ورقة مثبته لحق او غير ذلك مما وجد في حيازته، وتكون العقوبة السجن المؤبد او المؤقت اذا كان الموظف او المكلف بخدمة عامة من مأموري التحصيل او المندوبين له او الامناء على الودائع او الصيرافة واختلس شيئا مما سلم له بهذه الصفة)، ونصت المادة (316) على تجريم قيام الموظف العمومي (بالاستيلاء) على أي مال او متاع او ورقة مملوكة للدولة او لاحد المؤسسات او الهيئات التي تساهم الدولة في مالها بنصيب باستغلال وظيفته ولو لم تكن تلك الاموال في حيازته، او اذا سهل لغيره الاستيلاء عليها([iv]).
3-نصت المادة (23) من الاتفاقية على جريمة غسل او غسيل الامول([v])، ولم يسبق للنظام القانوني العراقي قبل عام 2004 ان عرف جريمة  (غسل الاموال) بهذا الاسم، ولم يجرم فعل ( غسل الاموال ) الا بموجب امر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (93) لسنة 2004
164
النافذ في 3/6/2004، الذي نص في المادة (3) منه على:( كل من يدير او يحاول ان يدير تعامل مالي يوظف عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفا بان المال المستخدم هو عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني، او كل من ينقل او يرسل او يحيل وسيلة نقدية او مبالغ تمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفا بان هذه الوسيلة النقدية او المال يمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني.. الخ النص)([vi]).
4-نصت المادة (25) من الاتفاقية على ( جريمة اعاقة سير العدالة ) بالقول: (تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم الافعال الاتية عندما ترتكب عمدا : (أ)- استخدام القوة البدنية او التهديد او الترهيب او الوعد بمزية غير مستحقة او عرضها او منحها للتحريض على الادلاء بشهادة زور او للتدخل في الادلاء بالشهادة او تقديم الادلة في اجراءات تتعلق بارتكاب افعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية. (ب)- استخدام القوة البدنية او التهديد او الترهيب للتدخل في ممارسة أي موظف قضائي او معني بانفاذ القانون مهامه الرسمية فيما يتعلق بارتكاب افعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية ، وليس في هذه الفقرة الفرعية ما يمس بحق الدول الاطراف في ان تكون لديها تشريعات تحمي فئات اخرى من الموظفين العموميين)([vii]).
اما عن موقف المشرع العراقي من الاستجابة لهذه المادة فأن قانون العقوبات نص في المادة (254) على تجريم استعمل وسائل الاكراه او الاغواء للتحريض على تقديم شهادة زور، كما جرم فيها استخدام الاكراه او الاغواء لمنع الشاهد من اداء الشهادة([viii]).
5- نصت المادة (26) من الاتفاقية على الدول الاطراف تقرير مسؤولية الشخصيات الاعتبارية عن ارتكاب جرائم الفساد واوجبت اخضاعها الى عقوبات جنائية او غير جنائية فعالة ومتناسبة ورادعة بقولها: (1- تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير، تتسق مع مبادئها القانونية، لتقرير مسؤولية الشخصيات الاعتبارية عن المشاركة في الافعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية. 2- رهنا بالمبادئ القانونية للدولة الطرف، يجوز ان تكون مسؤولية الشخصيات الاعتبارية جنائية او مدنية او ادارية. 3- لا تمس تلك المسؤولية بالمسؤولية الجنائية للشخصيات الطبيعية التي ارتكبت الجرائم. 4- تكفل كل دولة طرف على وجه الخصوص، اخضاع الشخصيات الاعتبارية التي تلقى عليها المسؤولية وفقا لهذه المادة لعقوبات جنائية او غير جنائية فعالة ومتناسبة ورادعة، بما فيها العقوبات النقدية)([ix]).
165
وقد استجاب المشرع العراقي لكل ذلك بنص المادة (80) من قانون العقوبات فقرر المسؤولية الجزائية للاشخاص المعنوية، واخضعها لعقوبة نقدية هي الغرامة اضافة الى المصادرة والتدابير الاحترازية المقررة للجريمة، وابقى على مسؤولية الاشخاص الطبيعيين مرتكبي الجرائم باسمها او لحسابها([x]).
6-نصت المادة (27) الفقرة (1) على تجريم المشاركة في ارتكاب جرائم الفساد، باي صفة سواء كطرف متواطئ او مساعد او محرض: (تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لكي تجرم وفقا لنظامها الداخلي، المشاركة باي صفة كطرف متواطئ او مساعد او محرض مثلا في فعل مجرم وفق لهذه الاتفاقية)([xi]).
وقد جرم قانون العقوبات العراقي المشاركة في ارتكاب الجرائم - باطار عام - في المادة (48) التي نصت على: ( يعد شريكا في الجريمة: 1- من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض. 2- من اتفق مع غيره على ارتكابها فوقعت بناء على هذا الاتفاق. 3- من اعطى الفاعل سلاحا او آلات او أي شئ اخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها او ساعده عمدا باي طريقة اخرى في الاعمال المجهزة او المسهلة او المتممة لارتكابها)([xii]).
ثانيا: نقاط الاتفاق الاختيارية:
1-نصت المادة (19) من الاتفاقية على النظر في تجريم اساءة استغلال الوظائف: ( تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لكي تجرم تعمد موظف عمومي اساءة استغلال وظائفه او موقعه، اي قيامه او عدم قيامه بفعل ما لدى الاضطلاع بوظائفه، بغرض الحصول على مزية غير مستحقة لصالحه هو او لصالح شخص او كيان اخر، مما يشكل انتهاكا للقوانين )([xiii]).
ولجريمة اساءة استغلال الوظائف صور متعددة في التشريع العراقي، فقد تناولها قانون العقوبات تحت اسم جريمة (الاختلاس) في نص المادة (318)، واستغلال الوظيفة بعدة صور في المواد (316،319، 329، 334، 335، 338)([xiv]).
2-نصت المادة (20) من الاتفاقية على النظر في تجريم الاثراء غير المشروع بالقول:
166
 ( تنظر كل دولة طرف، رهنا بدستورها والمبادئ الاساسية لنظامها القانوني في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم تعمد موظف عمومي اثراء غير مشروع، اي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا الى دخله المشروع )([xv]).
ويعد العراق من اوائل الدول التي اخذت بتجريم الكسب غير المشروع، اذ جرم لاول مرة بموجب (قانون الكسب غير المشروع على حساب الشعب)، رقم (15) لسنة 1958 المعدل، الذي نصت مادته الرابعه على : ( يعد كسبا غير مشروع على حساب الشعب: 1- كل مال حصل عليه اي شخص من المذكورين بالمادة الاولى بسبب اعمال او نفوذ او ظروف وظيفته او مركزه او بسبب استغلال شئ من ذلك. 2- كل مال حصل عليه اي شخص طبيعي او معنوي من طريق تواطئه مع اي شخص اخر ممن ذكروا في المادة الاولى على استغلال وظيفته او مركزه. 3- كل مال لم يورده شخص من الاشخاص المذكورين في المادة الاولى بالاقرار المقدم منه، او اورده ولم يثبت مصدرا مشروعا له، وكل زيادة ترد في اقراراته التالية للاقرار الاول يعجز عن اثبات مصدرها المشروع)([xvi]).
3-نصت المادة (24) من الاتفاقية على النظر في تجريم اخفاء الممتلكات او مواصلة الاحتفاظ بها مع العلم بكونها متأتية من جريمة فساد: ( دون مساس باحكام المادة (23) من هذه الاتفاقية، تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم القيام عمدا، عقب ارتكاب اي من الافعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية دون المشاركة في تلك الجرائم، باخفاء ممتلكات او مواصلة الاحتفاظ بها عندما يكون الشخص المعني على علم بان تلك الممتلكات متأتية من اي من الافعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية)([xvii]).
ويستجيب العراق لهذه المادة بنص المادتين (460) و (461) من قانون العقوبات، اذ تنص المادة (460) على: ( مع عدم الاخلال باية عقوبة اشد يقررها القانون يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات من حاز او اخفى او استعمل اشياء متحصلة من جناية او تصرف فيها على اي وجه مع علمه بذلك الخ النص)([xviii]).
4-نصت المادة (27) الفقرتين (2، 3) من الاتفاقية على النظر في تجريم الشروع في جرائم الفساد وتجريم الاعداد لجرائم الفساد اختياريا([xix]).
167
وفيما يتعلق بموقف العراق من هاتين النقطتين ، فقد جرم قانون العقوبات - في اطار قاعدة عامة تشمل جميع الجرائم – الشروع في ارتكاب الجريمة، في المواد (30، 31، 32)، من قانون العقوبات([xx]).
المطلب الثاني: اوجة الاختلاف بين اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع العراقي:
يمكن تقسيم نقاط الاختلاف بين اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع العراقي الى قسمين رئيسين، اذ يتناول القسم الاول نقاط الاختلاف الالزامية، اما الثاني فيتناول نقاط الاختلاف الاختيارية، وكما ياتي:

اولا: نقاط الاختلاف الالزامية:
1-نصت المادة (61) الفقرة (1) على تجريم فعل رشو الموظف العمومي الاجنبي او موظفي المؤسسات الدولية العمومية: ( تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم القيام عمدا بوعد موظف عمومي اجنبي او موظف مؤسسة دولية عمومية بمزية غير مستحقة او عرضها او منحه اياها، بشكل مباشر او غير مباشر، سواء لصالح الموظف نفسه او لصالح شخص او كيان اخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل او يمتنع عن القيام بفعل ما لدى اداء واجباته الرسمية، من اجل الحصول على منفعة تجارية او مزية غير مستحقة اخرى او الاحتفاظ بها فيما يتعلق بتصريف الاعمال التجارية الدولية)([i]).
لم يسبق للمشرع العراق ان اخذ بتجريم رشو او ارتشاء الموظفين الاجانب ولا موظفي المنظمات الدولية العمومية، ولا يتضمن قانون العقوبات العراقي النافذ ولا عموم المنظومة القانونية العراقية نصوصا تجرم مثل تلك الافعال.
ثانيا: نقاط الاختلاف الاختيارية:
1-نصت المادة (16) الفقرة (2) على ان ( تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم قيام موظف عمومي اجنبي او موظف مؤسسة دولية عمومية، بشكل مباشر او غير مباشر، بالتماس او قبول مزية غير مستحقة، سواء لصالح الموظف نفسه او لصالح شخص او كيان
168
اخر، لكي يقوم الموظف بفعل او يمتنع عن القيام بفعل ما لدى اداء واجباته الرسمية )([ii]).
والعراق في قوانينيه النافذة حاليا لم يجرم ارتشاء الموظفين الاجانب ولا موظفي المؤسسات الدولية العمومية.
2-نصت المادة (18) من الاتفاقية على ( تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم الافعال التالية عندما ترتكب عمدا: (أ) وعد موظف عمومي او اي شخص اخر باي مزية غير مستحقة او عرضها عليه او منحه اياها، بشكل مباشر او غير مباشر، لتحريض ذلك الموظف او الشخص على استغلال نفوذه الفعلي او المفترض بهدف الحصول من ادارة او سلطة عمومية تابعة للدولة الطرف على مزية غير مستحقة لصالح المحرض الاصلي على ذلك او لصالح شخص اخر. (ب) قيام موظف عمومي او اي شخص اخر، بشكل مباشر او غير مباشر، بالتماس او قبول اي مزية غير مستحقى لصالحه هو او لصالح شخص اخر، لكي يستغل ذلك الموظف العمومي او الشخص نفوذه الفعلي او المفترض بهدف الحصول من ادارة او سلطة عمومية تابعة للدولة الطرف على مزية غير مستحقة)([iii]).
ولم يسبق للمشرع العراقي ان جرم المتاجرة بالنفوذ لا بصورته الفعلية ولا بصورته السلبية.
3-نصت المادة (21) من الاتفاقية على ان: ( تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم الافعال التالية، عندما ترتكب اثناء مزاولة انشطة اقتصادية او مالية او تجارية :(أ) وعد اي شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص، او يعمل لديه بأي صفة، بمزية غير مستحقة او عرضها عليه او منحه اياها، بشكل مباشر او غير مباشر، سواء لصالح الشخص نفسه او لصالح شخص اخر، لكي يقوم ذلك الشخص بفعل ما او يمتنع عن القيام بفعل ما، مما يشكل اخلالا بواجباته. (ب) التماس اي شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص، او يعمل لديه بأي صفة، او قبوله بشكل مباشر او غير مباشر مزية غير مستحقة، سواء لصالح الشخص نفسه او لصالح شخص اخر، لكي يقوم ذلك الشخص بفعل ما، مما يشكل اخلالا بواجباته)([iv]).
لم يسبق للنظام القانوني العراقي ان عرف (جريمة الرشوة في القطاع الخاص) لا بصورة الرشو ولا بصورة الارتشاء.
169
4-نصت المادة (22) من الاتفاقية على ان ( تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم تعمد شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص، او يعمل فيه باي صفة، اثناء مزاولته نشاط اقتصادي او مالي او تجاري، اختلاس اي ممتلكات او اموال او اوراق مالية خصوصية او اي اشياء اخرى ذات قيمة عهد بها اليه بحكم موقعه)([v]).
 ولم يسبق للمشرع العراقي ان جرم عن اختلاس ممتلكات القطاع الخاص، الا ان هنالك راي يذهب الى ان العراق يستجيب لمتطلبات تجريم اختلاس ممتلكات القطاع الخاص بموجب جريمة خيانة الامانة بموجب نص المادة (453) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 : ( كل من اؤتمن على مال منقول مملوك للغير او عهد اليه به باي كيفية كانت او سلم له لاي غرض كان فاستعمله بسوء قصد لنفسه او فائدته او لفائدة شخص اخر او تصرف به بسوء قصد خلافا للغرض الذي عهد به اليه او سلم له من اجله حسب ما هو مقرر قانونا او حسب التعليمات الصريحة او الضمنية الصادرة ممن سلمه اياه او عهد به اليه يعاقب بالحبس وبالغرامة)([vi]).

الخاتمة
من خلال ما تقدم ذكره من تحديد لمفهوم الفساد واشكاله وانواعه وآليات مكافحته، وكذلك قرائة ابرز ماجاء في بنود وفصول اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، فضلا عن استعراض ابرز ما غطته التشريعات والقوانين العراقية على الصعيد الداخلي في ميدان مكافحة الفساد بكافة اشكاله وانواعه، ومن ثم مقارنة ما جاء من أوجه الاتفاق والاختلاف بين اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتشريع العراقي ولاسيما في مجال مقتضيات التجريم يتضح انه بالرغم من وجود تشريعات تتواءم مع الاتفاقية مثل قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل، و قانون العقوبات العسكرية وقانون العقوبات لقوى الامن الداخلي، و قانون ديوان الرقابة المالية رقم (6) لسنة 1990، وقانون مكافحة غسيل الاموال رقم (93) لسنة 2004، فضلا عن قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011.
 الا ان  ذلك لا ينفي أوجه القصور فى التشريع ومدى حاجته الى تعديل بعض النصوص الموجودة، لان هذه التشريعات والقوانين لا تحقق الاستجابة الكاملة من قبل العراق للالتزامات الواردة في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، فضلا عن الحاجة الى اصدار حزمة جديدة من
170
القوانين التي تؤدي هذا الغرض مثل قانون مكاتب المفتشين العموميين، وقانون الرقابة المالية، وقانون مكافحة الفساد، وقانون تنظيم المناقصات والمشتريات، وقانون الشهود والمخبرين والضحايا، وقانون حق الاطلاع على المعلومات، وقانون الاحزاب السياسية، وقانون تمويل الحملات الانتخابية، وقانون ينظم رواتب موظفي الدولة (الدرجات الخاصة).
ولكن التغيير الى الافضل بحاجة الى وقت ودراسة شاملة ووافية لكي يحقق الاثر المرجو منه خاصة وان معظم الاتفاقيات تضع قواعد عامة مجردة وتترك للتشريعات الداخلية للدول الاطراف مهمة تنظيمها على ان تلتزم بالقواعد العامة للاتفاقية، اذ ان لتلك الاتفاقيات الدولية عظيم الأثر في اقامة التعاون الدولي ومكافحة الجريمة والفساد بصورة أوسع وأشمل ومحاصرته للقضاء عليه.
م.د رياض مهدي عبد الكاظم/ كلية القانون/ جامعة واسط/2013/مجلة العلوم الاقتصادية والادارية...كلية الادارة والاقتصاد –جامعة بغداد...عدد خاص بوقائع المؤتمر العلمي السادس لهيئة النزاهة لسنة 2013



[i] - المادة (16) الفقرة (1) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[ii] - المادة (16) الفقرة (2) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[iii] - المادة (18) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[iv] - المادة (21) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[v] - المادة (22) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[vi] - المادة (453) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969المعدل.



[i] - المادة (15)، اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[ii] - المواد (307 الى 315) من قانون العقوبات المعدل رقم (111) لسنة 1969.
[iii] - المادة (17)، اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[iv] - المواد (315 و 316) من قانون العقوبات المعدل رقم (111) لسنة 1969.
[v] - المادة (23) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[vi] - امر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (93) لسنة 2004.
[vii] - المادة (25) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[viii] - المادة (254) من قانون العقوبات المعدل رقم (111) لسنة 1969.
[ix] - المادة (26) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[x] - المادة (80) من قانون العقوبات المعدل رقم (111) لسنة 1969.
[xi] - المادة (27) الفقرة (1)، من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xii] - المادة (48) من قانون العقوبات المعدل رقم (111) لسنة 1969.
[xiii] - المادة (19)  من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xiv] - المواد (316،319، 329، 334، 335، 338) من قانون العقوبات المعدل رقم (111) لسنة 1969.
[xv] - المادة (20)  من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xvi] - المادة (4) من قانون الكسب غير المشروع على حساب الشعب، رقم (15)  لسنة 1958 المعدل.
[xvii] - المادة (24)  من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xviii] - المادتين (460 و461) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969المعدل.
[xix] - المادة (27) الفقرة (2، 3) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xx] - المواد (30، 31، 32) من قانون العقوبات المعدل رقم (111) لسنة 1969.




[i] - لمزيد من التفاصيل حول التطور التاريخي لمفهوم الفساد انظر، عماد صلاح عبد الرزاق، الفساد والإصلاح، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003، ص ص18، 27.
[ii] - ياسر خالد الوائلي، الفساد الإداري. مفهومه ومظاهره وأسبابه: مع أشارة إلى تجربة العراق في الفساد، مجلة النبأ، مركز المستقبل للدراسات والبحوث،العراق، العدد80، 2006، ص11.
[iii] - المعجم الوسيط، مراجعة ابراهيم انيس واخرون، معجم اللغة العربية، ج2، القاهرة، 1973، ص 278.
[iv] - تاج العروس من جواهر القاموس، للشيخ محب الدين الحنفي، المجلد العشرون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1994، ص265.
[v] - احمد فتح الله، معجم الفاظ الفقه الجعفري، ط1، مطابع المدخول، الدمام، 1995، ص319.
[vi]- Oxford, Advanced Learners Dictionary, Sixth Edition, 2000.
[vii] - أحمد أبو دية، الفســــــــــــــاد: أسبابه وطرق مكافحته، منشورات الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان  ، القدس، ط1، 2004، ص2.
[viii]- Gerard Carney, Conflict of Interest, Ti working paper, Berlin, 1998, p.1.
[ix] - البنك الدولي للإنشاء والتعمير، تقرير عن التنمية في العالم (1997)، الحد من الفساد والتفرقات التحكيمية للدولة، مركز الأهرام للترجمة والنشر (مترجماً)، القاهرة، 1997، ص112.
[x]- IMF, Corruption around the World, Washington, IMF Working Paper, 1998, p. 8.
[xi] - اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، وثائق الامم المتحدة.
[xii] - فراس عبد المنعم عبدالله، حكم جرائم الفساد الكبير في الفقه الجنائي الاسلامي-دراسة تحليلية تاصيلية، مجلة دراسات قانونية، بيت الحكمة، بغداد، العدد 26، 2010، ص53 .
[xiii] - محمود عبد الفضيل، الفساد وتداعياته في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 243، 1999، ص4، ص 5. 
[xiv]- Janakieva Malka, Corruption and its impact on transition economies- The case of Bulgaria, Paper presented at the 2001 CEP International Student Conference, held in Budapest-Hungary, on April 2001, p2, p5.
[xv]- مازن مرسول محمد، في قضايا الفساد ومؤثراته المختلفة، مجلة النبأ، مركز المستقبل للدراسات والبحوث، العراق، العدد80، 2006، ص29.
[xvi] - أحمد أبو دية، الفساد: أسبابه وطرق مكافحته، مصدر سبق ذكره، ص7.
[xvii] - ديباجة اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xviii] - المواد من (1 الى 14) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xix] - المواد من (15 الى 42) من الاتفاقية وكذلك، الدليل التشريعي لتنفيذ اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، الامم المتحدة، نيويورك، 2006، ص132.
[xx] - المواد (43 الى 50) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xxi] - الدليل التشريعي، مصدر سبق ذكره،  ص 184.
[xxii] - المواد (51 الى 59) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xxiii] - الدليل التشريعي، مصدر سبق ذكره، ص241.
[xxiv] - الدليل التشريعي، مصدر سبق ذكره، ص 271.
[xxv] - المادتين (63، 64) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
[xxvi] - المادة (3) من قانون مكافحة غسيل الاموال رقم (93) لسنة 2004.
[xxvii] - ذو الفقار علي رسن الساعدي، استجابة القوانين العراقي لمتطلبات اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة غسيل الاموال، مجلة المنصور، عدد 14، 2010، ص150، ص155.
[xxviii] - الامر رقم (55) لسنة 2004 الملغى، الخاص بنشكيل هيئة النزاهة، والامر رقم  رقم (59) لسنة 2004، الخاص بحماية المخبرين في المؤسسات الحكومية، والامر رقم (77) لسنة 2004، المنظم لعمل ديوان الرقابة المالية. ولمزيد من التفاصيل ينظر، عبد الرسول عبد الرضا الاسدي، نفاذ تدويل مكافحة الفساد في القوانين الداخلية، بحث منشور على الانترنيت على موقع كلية القانون/ جامعة بابل، بتاريخ 21/9/ 2011، على  الرابط:
[xxix] - المواد (11، 12، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21)، من قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق